خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) فوقع هذا في مسموعهم فتصرفوا في العالم بحكم الخلافة ، وقال لإبراهيم عليهالسلام بعد أن أسمعه خلافة آدم ومن شاء الله من عباده (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) لما علم أن الخلافة قد أشربها فلا يبالي بعد ذلك أن يسميه بأي اسم شاء ، فقال إبراهيم لربه تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)(قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فإن الإنسان المخلوق على الصورة ـ لا الإنسان الحيوان ـ هو الذي له الإمامة في الكون ، صاحب العهد فإن الله لا ينال عهده الظالمون وليس عهده سوى صورته ، فما أهمل من أهمل من الأناسي إلا لجهله بمنزلته وتصرفه في غير مرتبته ، فلو أعطى نفسه حقها ، كما أعطاها ربها خلقها ، لكان إمام العالمين ، فالسيد الإمام ، العارف العلام ، يقول : الأمام الأمام ، وفي يده سراجه وفي رأسه تاجه ، يشهد له الحق بالخلافة ، والأمن من كل عاهة وآفة ، وأما إذا كانت الطرق مظلمة ، لا يعرف الماشي فيها في أي مهواة يهوي ، ومع هذا يسير ولا يلوي ، فإذا سقط ، عند ذلك يعلم أنه فرط.
____________________________________
وهناك (لا تقبل منها) أي من أجلها شفاعة ، وهنا ولو قبلت عناية بالشافع ما نفعت المشفوع فيه ، بأن نعلم الشافع مرتبته من عنايتنا به عندنا ، ونبين له قدر الجريمة التي لهذه النفس ، فيرجع الشافع عن ذلك إعظاما لجناب الله مع أن الحق سمع شفاعته ، ولكن ما نفعت المشفوع ، هذا كله على تقدير الوقوع ، أي لو وقعت الشفاعة من أهل العناية عندنا لكان الأمر كما ذكرناه ، فزاد هنا ما لم يذكر في الأولى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) قد مضى تفسيره ، ثم قال : (١٢٥) (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) الصحيح في هذه الكلمات عدم تعيينها ، فنعلم قطعا أن الله اختبره بكلمات أنزلهن عليه (فَأَتَمَّهُنَّ) فأثنى عليه بقوله : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ومحن الأنبياء كثيرة ، وما كلفوه كثير ، كما قيل لمحمد صلىاللهعليهوسلم (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) على غيرك ونهونه عليك ، والعامل في (إِذِ) إما مضمر ، وإما جاعلك ، أي قام بهن حق القيام من الشكر إن كان نعمة ، ومن الصبر إن كان غير ذلك ، كذبح الولد والرمي في النار وغير ذلك ، فوفّى صلىاللهعليهوسلم بجميع ما خوطب به على حسب ما يعطيه ذلك الخطاب ، وقد أكثر الناس في تعيين الكلمات من غير دليل قاطع ، فلهذا تركت تعيين ما يمكن أن تكون ، إذ لا يفيد ذلك علما ، وقوله : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) يحتمل أن يكون هذا من الكلمات ، لأنها ابتلاء لما يلزمه فيها من مراعاة حدود الله في خلقه ، وإقامة العدل فيهم ، والنظر في مصالحهم الدينية والدنياوية ، والمبالغة في