فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذا القول : إنه أصدق بيت قالته العرب. ولا شك أن الباطل عبارة عن العدم ؛ فلا تحجب بالجهة الكعبية ، عن الجهة الإلهية القلبية.
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢)
أمر الله عباده المؤمنين بالذكر والشكر ، فعليك بذكر الله في السر والعلن وفي نفسك وفي الملأ ، فقد جعل الحق جواب الذكر من العبد الذكر من الله. فذكر الله جزاء وفاق على ذكر العبد ، وذكره تعالى في هذا الموطن هو المصلي عن سابق ذكر العبد ، قال تعالى :
____________________________________
لأنعم عليكم ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون إذا فعلتم هذه الخشية ، ثم قال : (١٥٢) (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) الآية ، يقول : ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلنا ، مثل ما أنعمت عليكم بقبول دعوة أبيكم إبراهيم حين قال هو وإسماعيل : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) فأرسلت فيكم منكم معشر العرب رسولا منكم (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) يريد آيات القرآن (وَيُزَكِّيكُمْ) بأخذ الصدقة من أموالكم ، قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي يبين لكم ما أنزل إليكم في القرآن ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وقال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْحِكْمَةَ) يقول : كيف تكونون حكماء (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) يعني ما كنتم به جاهلين من يوم الجمعة وغيره ، مما يقربكم العلم به إلى سعادتكم ، إذ العلوم على قسمين : علم لا يتضمن عملا ، وعلم يتضمن عملا ، فأما العلم الذي يتضمن العمل فأفعال العبادات لا تعلم إلا من جهته ، وأما العلم الذي لا يتضمن عملا كالعلم بما ينسب إلى الحق مما لا يقتضي دليل نسبته إليه ، وكالعلم بالآخرة ومواطنها وما يكون فيها مما ينفع العالم العلم به ، وهذا كله لا يعلم إلا من طريق الشرع ، إذ العقل لا يستقل بإدراك شيء من هذا ، بل ربما يحيل العقل الضعيف بعض الإطلاقات الشرعية ويتكلف فيها التأويلات البعيدة ، فهذا معنى قوله : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ، ثم قال : (١٥٣) (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوا لِي