هو الذي يصلي عليكم أي : يؤخر ذكره عن ذكركم ، فلا يذكركم حتى تذكروه ، كان صلىاللهعليهوسلم في حال الضراء يقول : الحمد لله على كل حال ، وفي حال السراء : الحمد لله المنعم المفضل ، وأي ضراء على العبد أضر من الذنب ، فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر ، والله يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه الحديث وفيه : «وأنا معه» يعني مع العبد «حين يذكرني ، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». وقال تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) وأكبر الذكر ذكر الله على كل حال ، والشكر من المقامات المشروطة بالنعماء والمحبة ، ليس للبلاء في الشكر دخول ، ولا للصبر في النعم دخول ، ولما كانت الصلاة مناجاة بين الله وبين عبده فإذا ناجى العبد ربه فأولى ما يناجيه به من الكلام كلامه ، الذي شرع له أن يناجيه به ، وهو قراءة القرآن في أحوال الصلاة ، من قيام وهو قراءة الفاتحة ، وما تيسر معها من كلامه ، ومن ركوع وهو قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) فهو ذاكر ربه في صلاته بكلامه المنزل ، وكذلك في سجوده يقول : «سبحان ربي الأعلى» فأمرنا الله بذكره وشكره ، والفاتحة تجمع الذكر والشكر ، وهي التي يقرأها المصلي في قيامه ، فالشكر فيها قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وهو عين الذكر بالشكر إلى كل ذكر فيها وفي سائر الصلاة ، فذكر الله في حال الصلاة وشكره ، أعظم وأفضل من ذكره سبحانه وشكره في غير الصلاة ، فإن الصلاة خير موضوع العبادات ، وقد أثرت هذه الصلاة في الذكر هذا الفضل وهو يعود على الذاكر ، وينبغي لكل من أراد أن يذكر
____________________________________
وَلا تَكْفُرُونِ) يقول سبحانه : (فَاذْكُرُونِي) بهذه النعم التي قررتكم عليها وأتممتها عليكم التي لا تحصى كثرة ، سرا في نفوسكم وعلانية في ملّأ من عبادي ، تعلمون به الجاهل ، وتذكرون به الناسي والغافل (أَذْكُرْكُمْ) جزاء لذكركم إياي ، فمن ذكرني منكم في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه يعني الملائكة ، قال : واشكروا نعمتي ، وقرنها بقوله تعالى : (لِي) فقال : (وَاشْكُرُوا لِي) وهذا شكر خاص ، وهو أعلى الشكر ، وحق الشكر وهو أن ترى جميع النعم منه حين تقف الناس مع الأسباب التي يرسل الله النعم عند وجودها ، فلذلك قال : (وَاشْكُرُوا لِي) وقد وعد بالزيادة للشاكرين ، قال : (وَلا تَكْفُرُونِ) أي ولا تستروا نعمتي ، فإنه يقول لنبيه لما قال : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ