العقول ، فلم يكتف الحق سبحانه بلفظة العقل حتى ذكر الآيات لأولي الألباب ، فما كل عاقل ينظر في لب الأمور وبواطنها ، فإن أهل الظاهر لهم عقول بلا شك وليسوا بأولي ألباب ، ولا شك أن العصاة لهم عقول ولكن ليسوا بأولي نهى ، فاختلفت صفاتهم إذ كانت كل صفة تعطي صنفا من العلم لا يحصل إلا لمن حاله تلك الصفة ، فما ذكرها الله سدى ، وكثر الله ذكر الآيات في القرآن العزيز ، ففي مواضع أردفها وتلا بعضها بعضا وأردف صفة العارفين بها ، وفي مواضع أفردها ، فمثل إرداف بعضها على بعض مساقها في سورة الروم ، فلا يزال يقول تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ) (وَمِنْ آياتِهِ) فيتلوها جميع الناس ولا يتنبه لها إلا الأصناف الذين ذكرهم في كل آية خاصة ، فكأن تلك الآيات في حق أولئك أنزلت ، وفي حق غيرهم لمجرد التلاوة ليؤجروا عليها ، فخرق العوائد تهول عند العامة ، وهي عند الخاصة عوائد ، فالعاقل يهوله المعتاد وغير المعتاد ، ولذلك قال في المعتاد : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). ومن نظر في كل ما في الكون أنه آية عليه ، فنظر إلى الأمور كلها معتادها وغير معتادها بعين الحق ، ما هاله ما يرى ولا ما بدا مع تعظيمه عنده ، فإنه من شعائر الله ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ـ شعر :
الشخص مستدرج والصدر مشروح |
|
والكنز مستخرج والباب مفتوح |
أين الأوائل لا كانوا ولا سلفوا |
|
العقل يقبل ما تأتي به الروح |
لكنهم حجبوا بالفكر فاعتمدوا |
|
عليه والعلم موهوب وممنوح |
ما فيه مكتسب إن كنت ذا نصف |
|
فليس للعقل تعديل وتجريح |
العدل والجرح شرع الله جاء به |
|
ميزانه فبدا نقص وترجيح |
العقل أفقر خلق الله فاعتبروا |
|
فإنه خلف باب الفكر مطروح |
____________________________________
لما يطرأ فيها من الأحوال العارضة دائما لها ، فما من حالة تطرأ إلا ويجوز خلافها ، فتفتقر إلى وجود مرجح مختار ، وأن يكون واحدا لما ذكرناه قبل ، وهذا بالنسبة إلى عقولهم أقرب دليل يوضع في الأحدية ، وهو الذي ارتضاه أكثر أئمة أهل الكلام وقالوا به وساقوه أحسن مساق ، ونحن أوردناه مختصرا لثقتنا بسرعة فهم السامع إلى المقصود من ذلك ، وقد وقفت للشيخ الإمام الأوحد السيد سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي أيده الله ، على دليل نصبه في أحدية الحق سبحانه ونفي إله آخر ، لم يسبق إليه في علمه ولا في علمنا ولا وجد في كتاب أحد من المتكلمين