في نفسه وحده بهذه الجمعية ، فإنه قال : [يصبح على كل سلامى منكم صدقة] فجعل التكليف عاما في الإنسان الواحد ، وإذا كان هذا في عروقه فأين أنت من جوارحه ، من سمعه وبصره ولسانه ويده وبطنه ورجله وفرجه وقلبه ، الذين هم رؤساء ظاهره ، واعلم أن الله ناداك من كونك مؤمنا من مقام الحكمة الجامعة ، لتقف بتفاصيل ما يخاطبك به على العلم بما أراده منك في هذه العبادة ، فقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) أي الإمساك عن كل ما حرم عليكم فعله أو تركه (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني الصوم من حيث ما هو صوم ، فإن كان أيضا يعني به صوم رمضان بعينه كما ذهب إليه بعضهم ، غير أن الذين قبلنا من أهل الكتاب زادوا فيه إلى أن بلغوا خمسين يوما وهو مما غيروه ، وقوله : (كَما كُتِبَ) أي فرض (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهم الذين هم لكم سلف في هذا الحكم وأنتم لهم خلف (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي تتخذوا الصوم وقاية ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبرنا أن الصوم جنة ، والجنة الوقاية ، ولا يتخذونه وقاية إلا إذا جعلوه عبادة ، فيكون الصوم للحق من وجه ما فيه من التنزيه ، ويكون من وجه ما هو عبادة في حق العبد جنة ووقاية من دعوى فيما هو لله لا له ، فإن الصوم لا مثل له ، فهو لمن لا مثل له ، فالصوم لله ليس لك ، قال تعالى : في الخبر المروي [الصوم لي] ثم قال : [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٤]
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٤)
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) العامل في الأيام كتب الأول بلا شك ، فإنه ما عندنا علم بما كتب
____________________________________
الشمس ، بنية القربة إلى الله تعالى عبادة (كَما كُتِبَ) أي مثل ما فرض (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأمم الخالية (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الله فيما أمرتم به من الإمساك عنه من أكل وشرب ونكاح وغيبة زمان الإمساك ، ثم قال : (١٨٥) (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فقللها لأن بنية أفعال لجمع القلة ، وكذلك أفعل وأفعلة وفعلة ، ونصبه بكتب الأول على المفعولية ، وكذلك أيام شهر رمضان