حيث أزال عنهم الحيرة في التخيير بهذا القدر من الترجيح ، ومع هذا فالابتلاء له مصاحب ، لأنه تعالى لم يوجب عليه فعل ما رجحه له ، بل أبقى له الاختيار على بابه ، أما في الكفارة فإن الترتيب أولى من التخيير ، فإن الحكمة تقتضي الترتيب ، والله حكيم والحكمة في بعض الأشياء أولى من الترتيب لما اقتضته الحكمة ، والعبد في الترتيب عبد اضطرار كعبودة الفرائض ، والعبد في التخيير عبد اختيار كعبودة النوافل ، وفيها رائحة من عبودية الاضطرار ، وبين عبادة النوافل وعبادة الفرائض في التقريب الإلهي بون بعيد في علو الرتبة ، فإن الله جعل القرب في الفرائض أعظم من القرب في النوافل ، وأن ذلك أحب إليه.
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٨٥)
(شَهْرُ رَمَضانَ) سمي الشهر شهرا من الشهرة لاشتهاره وتمييزه واعتناء المسلمين به وأصحاب تسيير الكواكب ، يقول : شهر هذا الاسم الإلهي ، فإن رمضان من الأسماء الإلهية ، فشارك شهر رمضان الحق في الاسم ، فتعينت له حرمة على ما هي لسائر شهور
____________________________________
أعلمتكم ، وهذه الآية مخصصة بالمرضع والشيخ والعجوز وإن كانوا قادرين على الصوم لكن ببذل المجهود من طاقتهم ، وخرج من هذه الآية غير هؤلاء بالآية الأخرى ، فارتفع الحكم بالتخيير إلى الحكم بوجوب الصوم في حق قوم موصوفين بصفة مخصوصة ، ولم يرتفع فيمن ذكرناهم ، إذ أحكام الشرع تتبع الأسماء والأحوال ، فلكل اسم وحال حكم ليس للآخر ، وهو أسدّ الوجوه المذكورة في هذا الفصل (١٨٦) (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الآية ، نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقال رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى وقولوا شهر رمضان ، فيكون معناه شهر الله ، وإن كان رمضان اسما لهذا الشهر ، فأراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم رفع اللبس ، فإذا أمنّا الالتباس فلنا أن نقول رمضان ، قال عليهالسلام : [من قام رمضان إيمانا واحتسابا] وقال : [من صام