وآخرته ، وربما في دنياه من حيث لا يشعر ، فمن كرمه أنه ما ضمن الإجابة فيما يسأل فيه ، وإنما ضمن الإجابة في الدعاء خاصة كما بيناه ، وهذا غاية الكرم من السيد في حق عبده ، فإذا سألتم الله فاسألوه التوفيق والعافية والعناية في تحصيل السعادة ، وقل رب زدني علما ، فإن العلم يأبى إلا السعادة ، فإن الله ما أمر نبيه بطلب الزيادة منه إلا وقد علم أن عين حصول العلم المطلوب هو عين السعادة ، ما فيه مكر ولا استدراج أصلا ، وما هو إلا العلم بالله خاصة لا العلم بالحساب والهندسة والنجوم ، ولو علم ذلك لكان علم دلالة على علم بالله ، وأما وصفه تعالى بالقرب في قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ونحوه ، يفهمك أن قوله تعالى في الحديث القدسي : (وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا) ليس على ظاهره ، لأن قربه سبحانه من العبد بنوره ولا تتفاوت درجاته ، وإنما البعد صفة العبد ، وبعده عن الله هو حجابه عن شهود قرب الله منه على حسب نور الإيمان في الاستجابة ، وبهذا يكون تقرب العبد إلى ربه ، وأما تقرب الرب إلى العبد فإشارة بنوره لنوره ، وقد جمع الله ذلك كله في قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وقد قرن الحق تعالى إجابته لكم بإجابتكم له ، وقد تقدم دعاؤه لكم في قوله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فإن استجبتم استجاب لكم ، وإن تصاممتم فما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم ، فكرامتهم عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه لارتباط الحكمة في المناسبة ، فلا يجاب إلا من يجيب ، فإذا عمّ الدعاء ذاتنا كلها بحيث لا يبقى فينا جزء له التفاتة إلى الغير ، حصلت الإجابة بلا شك على الفور ، لأنّا قد علمنا صدقه فيما أخبر به عن نفسه ، (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فقد غفر لكم وأجابكم إن أنتم أجبتم داعيه ، وكلامه حق ووعده صدق ، فلب إذا دعاك الحق إليه لا رغبة فيما في يديه ، فإنك إن أجبته لذلك فأنت هالك وكنت لمن أجبت ، وأخطأت وما أصبت ، واستعبدك الطمع
____________________________________
به (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) أي أجيبهم إجابة أخرى جزاء لإجابتهم لي ، وقرن السين في إجابتهم للمبالغة في ذلك ، إذ كان ثم من يدعوهم إلى غير الله ، ثم قال : (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) يقول يتخذون سبيل