فإن قلت هذا الحق أظهرت غائبا |
|
وإن قلت هذا الخلق أخفيته فيه |
فلولا وجود الحق ما بان كائن |
|
ولولا وجود الخلق ما كنت تخفيه |
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) من الخيانة لشهادتي عليكم حين قبلتم الأمانة لما عرضتها عليكم ، فكنتم تختانون أنفسكم لما حجر عليكم فيما حجره عليكم ، فما أراد هنا تعلق علمه تعالى بأنهم يختانون أنفسهم ، وإنما المستقبل هنا بمعنى الماضي ، فإن اللسان العربي يجيء فيه المستقبل ببنية الماضي إذا كان متحققا ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وشبهه ، وقد كان الحق كلفهم قبل هذا التعريف أن لا يباشر الصائم امرأته ليلة صومه ، فمنهم من تعدى حد الله في ذلك ، فلما علم الله ذلك عفا عمّن وقع منه ذلك وأحلّ له الجماع ليلة صومه ، إلا أن يكون معتكفا في المسجد ، فما خفف عنهم حتى وقع منهم ذلك ، ومن من شأنه مثل هذا الواقع فإنه لا يزال يتوقع منه مثله ، فأبيح له رحمة به ، حتى إذا وقع منه ذلك كان حلالا له ومباحا وتزول عنه صفة الخيانة ، فإن الدين أمانة عند المكلف (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي رجع عليكم (وَعَفا عَنْكُمْ) أي بالقليل الذي أباحه لكم في زمان الإحلال الذي هو الليل ، وإنما جعله قليلا لبقاء التحجير فيه في المباشرة للمعتكف في المسجد بلا خلاف ، وفي غير المسجد بخلاف ، والمواصل (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) وهو زمان الفطر في رمضان (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) واطلبوا ما فرض الله من أجلكم حتى تعلموه فتعملوا
____________________________________
بالسكون ، فهي له شعار ، وهو لها دثار ، وإذا لا بسها فقد خالطها واتحد بها ، وصورة ذلك أن الزوجين إذا اجتمعا مكافحة وامتص كل واحد منهما ريق صاحبه ، وسرى من نفسه فيه ، فحصل من ذلك ...... (١) ورطوبات ذلك الريق عند الامتصاص بالتقبيل في جسم كل واحد منهما روحا حيوانيا ، به حياة ذلك الشخص ، فهذا معنى (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) إذ الروح الحيواني هو البخار الخارج من تجويف القلب ، وذلك البخار هو الذي خرج من كل واحد منهما ودخل في جوف الآخر ، فكان روح كل واحد منهما روحا لصاحبه ، فاتحدت أرواحهما وتجاورت أجسامهما ، ثمّ قال : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي تتعملون في اكتساب خيانة أنفسكم ، فإن التاء زائدة إذ الاختيان افتعال من الخيانة ، ومن رحمته أن قال : (تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) ولم يقل [تخونون الله] إذ كان المؤمن لا يقصد بالمعصية انتهاك حرمة الله ،
__________________
(١) لعله : الاجتماع أو الجماع.