عن القتال في الحرم ، وهذا الخطاب عام إلى يوم القيامة ، وقوله تعالى : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) أي فإن قاتلوكم فيه يعني في الحرم فهنا لا يسوغ إلا قتال من قاتل منهم ، لا من انحجز عنهم ولم يقاتل لحرمة الحرم ، وكذلك في غير الحرم ، لو انحجز من المحاربين طائفة
____________________________________
(١٩٤) (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي حتى لا يبقى كفر ولا يبقى كافر في قوة تكون منه فتنة ، أي محنة وبلاء للمؤمنين (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) إما بزوال الكفر رأسا ، وإما بإعلاء كلمة الله على كلمة الكفر بأن يكونوا تحت ذمة المسلمين إن كانوا من أهل الكتاب ، وأما المشركون من عبدة الأوثان فليس إلا الإسلام أو القتل (فَإِنِ انْتَهَوْا) أيضا (فَلا عُدْوانَ) أي فلا تعتدوا (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) إن اعتدوا عليكم مثل قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فسمى جزاء الظالم ظلما ، كأنه عين الظلم الذي فعله عاد عليه ، مثل قوله : [إنما هي أعمالكم ترد عليكم] ثم قال : (١٩٥) (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) نزلت هذه الآية في عمرة القضاء ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية جاء معتمرا والمؤمنين معه ، فصدهم المشركون عن المسجد الحرام والوصول إليه ، وكان في الشهر الحرام الذي هو ذي القعدة ، وما كان لهم أن يصدوه في هذا الشهر ، فلما كان في العام القابل جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمرة القضاء الذي صدّ عن إتمامها عام أول في هذا الشهر ، وكان المشركون قد عاهدوه على أن يخلوا بينه وبين الكعبة ثلاثة أيام في العام الآتي ، وخاف المسلمون أن لا يفي المشركون بعهدهم فتأهبوا لقتالهم إن صدوهم ، فلما جاؤوا أيضا في ذي القعدة خلوا بينهم وبين الكعبة على الشرط المعروف المذكور ، فأقاموا ثلاثة أيام ثم خرجوا ، وكان الله قد أنزل عليهم (الشَّهْرُ الْحَرامُ) الذي قضيتم فيه عمرتكم (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) الذي صدوكم فيه عن تمام العمرة (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) أي من انتهك حرمة انتهكت حرمته ، فإن دخول المسلمين في عمرة القضاء الحرم كان من أشق شيء على المشركين ، وقال الله لنبيه والمؤمنين : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فقاتلكم أو آذاكم (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) من غير زيادة (وَاتَّقُوا اللهَ) في الابتداء بالتعدي أو بمجاوزة المثل في القصاص فيمن اعتدى عليكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالنصر والكلاءة ، في هذه الآية دليل لمن يرى أن يعتدي من اعتدي عليه بمثل ما اعتدي عليه في مال وغير ذلك من غير حكم حاكم ولا ارتفاع إليه ، وهو مذهب ابن عباس ، ومنع غيره من ذلك وقال له : ليس له أن يتعدى عليه ويرفعه إلى الحاكم ، ويكون معنى قوله : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) بعد حكم الحاكم لا تتجاوزوا القدر الذي اعتدى عليكم فيه إذا مكنتم من القصاص ، وكلا الوجهين سائغ في الآية ، والأول أقوى والثاني أحوط ، وفي عمرة القضاء التي نزلت فيها هذا الآية أنّ الشروع في نوافل العبادات ملزم ، قال تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا