الحرم مما رد الأعلام إلى البيت ، فإنه من لم يكن فيه فليس بحاضر بلا شك ، فلو قال تعالى في حاضر المسجد الحرام كنا نقول بما جاور الحرم ، لأن حاضر البلد ربضه إلى الخارج عن سوره ، امتد في المساحة ما امتد ، وإنما علق سبحانه ما ذكره بحاضري المسجد الحرام وهم الساكنون فيه ، ومعنى التمتع تحلل المحرم بين النسكين العمرة والحج ، وهذا عندي ما يكون إلا لمن لم يسق الهدي ، فإن ساق الهدي وأحرم قارنا فإنه متمتع من غير إحلال ، فإنه ليس له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) أي المتمتع يلزمه حكم الهدي ، فإن كان له هدي وهو بحالة الإفراد بالعمرة أو القران ، فذلك الهدي كافيه ولا يلزمه هدي ولا يفسخ جملة واحدة ، وإن أفرد بالحج ومعه هدي فلا فسخ ، فقوله : (إِلَى) هنا بمعنى مع ، ولهذا يدخل القارن في قوله : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) أي مع الحج ، فتعم المفرد والقارن ، وأما من نوى الحج وليس معه هدي فواجب عليه الفسخ وأن يحوّل النية إلى العمرة ، ويحل ثم ينشىء الحج ، ثم قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
____________________________________
حيث تحبسني ، زاد النسائي ، فإن لك على ربك ما استثنيت ، وليس في شيء من هذه الروايات الأمر بالقضاء في شيء ، لا فيما حصر عنه ولا في الهدي ، فمن ثبت عنده ما ذكرناه من أحاديث القضاء فهي زيادة حكم يجب العمل به ، ومن لم يثبت عنده ذلك خيرناه ، فإن شاء قضى وإن شاء لم يقض ، ثم قال : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) فإن حلق رأسه المحرم لأذى قام به من مرض وغيره (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ثم عيّن النبي صلىاللهعليهوسلم قدر الفداء من كل ما وقع فيه التخيير ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لكعب بن عجرة حين أمره بحلق رأسه وهو محرم : إن شئت فأطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام ، أو صم ثلاثة أيام ، أو اذبح شاة ، وهو مخير أن يحلق قبل الفداء أو بعده ، ثم قال : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) الأظهر في هذه الآية أنها في المتمتع الحقيقي ، فيكون معناه وإذا لم تكونوا خائفين فتمتعتم بالعمرة إلى الحج (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال بعض شيوخنا ويدل على صحة هذا التأويل قوله سبحانه : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والمحصر يستوي فيه حاضر المسجد الحرام وغيره ، قلنا : فإذا أمنتم الموانع وقد فات الحج وسواء كان عن إحصار أو غير إحصار أحل بعمرة بلا شك ، فإن حج من سنته تلك كان متمتعا فوجب عليه هدي التمتع ، وإن لم يحج من