(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠)
ذكر تعالى اعتقادهم وما جرح ولا صوّب ، ولا أنكر ولا عرّف ، وفيه نسبة المكان إلى الحق ، ومثل هذا في الشرع كثير ، والظلل أبواب السماء إذا فتحت وهو قوله تعالى : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) وقوله : (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) وهو إتيان الملائكة في ظلل من الغمام. واعلم أنه من المتشابه الآيات التي يذكر فيها الصورة ، فمما صح في ذلك ما رواه البخاري وغيره ، من حديث الرؤية عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه (فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتى ربنا عرفناه ، فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقول : أنا ربكم ، فيقولون نعم أنت ربنا ، فيتبعونه) وقد ثبت ذكر
____________________________________
في العمل بشرائع الإسلام المنزلة على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم بأجمعكم ، واتركوا ما أنزلته من الشرائع قبله ، فلكل منكم شرعة ومنهاج (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي لا تسلكوا طريقه ، ولا تصغوا إلى ما يوسوس به في صدوركم ، ليضلكم عن طريق الهدى الذي أنزلته في هذا الأوان على هذا النبي المخصوص ، وإن كان كل كتاب أنزلته حقا وهدى ونورا ، ولكن تعبدت به عبادي في زمن مخصوص ، وقد انقضت تلك المدة لما سبق في علمي ، فأراد الشيطان أن يضلكم بما وسوس به في صدوركم من اتباع ما نزل من عندنا ، كيدا ومكرا ، وقد عرفتكم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر العداوة ، لا تخفى على مؤمن عارف بطريق ما يخرجكم عن الهدى (٢١٠) (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) يقول : فإن انتزعكم فنزعتم عن طريق الهدى الذي هو القرآن (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) الدلائل الواضحة من عندنا ، وهي التعريفات بعداوة الشيطان لكم المذكورة في كل كتاب ، وكفرتم أو خالفتم بعض ما أنزل إليكم في هذا القرآن وما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يغالب ، لا يفوته هارب (حَكِيمٌ) بإنزال العقوبات لمن يستحقها ، إذ الحكيم واضع كل شيء في موضعه ، سمع أعرابي قارئا يقرأ هذه الآية : فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم ، فأنكر أن يكون هذا كلام الله ، وقال : الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه ، فمثل هؤلاء عرفوا إعجاز القرآن لمعرفتهم بمواقع الخطاب ، (٢١١)