الصورة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه زيادة أيضا ، وهو من الأحاديث المتشابهة ، ومرجعها إلى الآيات والأحاديث المحكمة ، فاعلم أن للصورة التي يأتي فيها ربنا تعالى يوم القيامة مظهرا وحقيقة ، فالحقيقة هي الظلة في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) فعلم بذلك أن مظاهر تجليه لعباده هى ظلل غمامه ، وحقائق هذه الظلل آياته التي تعرف لخلقه فيها بواسطة أنبيائه صلوات الله عليهم وسلم ، وقد ثبت في الصحيح تشخيص حقائق آياته كالظلل ، ففي مسلم وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، وحديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ، أن القرآن يوم القيامة يأتي ، تقدمه البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان ، ومن المعلوم أن كلامه سبحانه صفته ، وصفته لا تفارقه ، فإذا ثبت إتيانها في صور ظلل الغمام ، ثبت إتيانه تعالى ، وفي مسلم وغيره أن أسيد بن حضير رضي الله عنه قرأ سورة الكهف ليلة ، فجالت فرسه ، فإذا مثل الظلة فوق رأسه فيها أمثال السرج ، فسأل النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إن السكينة تنزلت للقرآن ، وفي رواية الترمذي مع القرآن ، وفي رواية ، تلك الملائكة كانت تسمع لك ، وذلك كله موافق لآية البقرة ، ونفرة الفرس دليل على أنها ظلة محسوسة ، وقد ثبت رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم للظلة وتأويل أبي بكر لها بالإسلام ، وذلك كله يحقق أن حقائق الظلل هي آيات الله تعالى وشرائعه ، وهي من الروح الأصلي الذي هو منشأ عالم الأمر ، وهو مصباح روح التوحيد ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) الآية ، وقال تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) وبهذا الروح يتجلى سبحانه لعباده بأسمائه وصفاته المحكمة والمتشابهة ، والظلة قسمان : ظلة عذاب ، وظلة رحمة ، فظلة العذاب كظلة قوم شعيب صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وقد ضرب الله تعالى المثل بذلك بالقرآن في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) الآية ، وأما ظلة الرحمة ، فهي آياته المقتضية للرحمة النازل غيثها على قلوب المؤمنين ، كما صح في صحيح مسلم والبخاري وغيره قوله صلىاللهعليهوسلم : (إن مثلي ومثل ما بعثت به من الهدى والعلم كمثل غيث
____________________________________
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) في هذه الآية إشعار بقرب قيام الساعة ، وبأن هذا القرآن وشرع الإسلام ما بقي بعده كتاب ينزل ولا شرع ، ولا نبي بعد رسول الله