الرجل ، فهو أصلها ، فله عليها درجة السببية لأنها عنه تولدت ، فلم تزل الدرجة تصحبه عليها في الذكورة على الأنوثة ، وإن كانت الأم سببا في وجود الابن فابنها يزيد عليها بدرجة الذكورة لأنه أشبه أباه من جميع الوجود ، فلا تقل هذا مخصوص بحواء ، فكل أنثى كما أخبرتك من مائها أي من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل ، وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء الأنثى ، فليست المرأة بكفؤ للرجل ، فإن المنفعل ما هو كفؤ لفاعله ، وحواء منفعلة عن آدم فله عليها درجة الفاعلية ، فليست له بكفؤ من هذا الوجه ، ولقوله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ولم يجعل عيسى عليهالسلام منفعلا عن مريم حتى لا يكون الرجل منفعلا عن المرأة كما كانت حواء عن آدم ، فتمثل لها جبريل أو الملك بشرا سويا ، وقال لها : (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) فوهبها عيسى عليهالسلام ، فكان انفعال عيسى عن الملك الممثل في صورة الرجل ، وإن كان لمريم درجة فعلى عيسى لا على الرجال ، فالدرجة لم تزل باقية ، وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : كمل من الرجال كثيرون ومن النساء مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، فاجتمع الرجال والنساء في درجة الكمال ، فاعلم أن فضل الرجال بالأكملية لا الكمالية ، فإن كملا بالنبوة فقد فضل الرجال بالرسالة
____________________________________
عليها الماء ، أي مروها بالغسل ، وكلوا مما رزقكم الله كناية عن الجماع ، بيّن في هذا الحديث صحة مذهب من يقول إن الحائض إذا طهرت لا يقربها زوجها إلا بعد استعمال الماء ، ويرجحه قول المخالف ، ويريد به الاغتسال المشروع بقوله عليها ، ولا خلاف أنه الأولى عند الكل ، وبالجملة إن الآية مجملة لا يظهر فيها ترجيح ، وإنما يطلب الدليل من جهة أخرى ، قال أحمد بن حنبل : الأكابر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون الأقراء هي الحيض ، ومما يؤيد عندي أنها الحيض قوله تعالى في هذه الآية : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) فإن الذي خلق الله في أرحامهن إنما هو الدم ، والطهر عبارة عن عدم الدم ، ولا يقال خلق الله العدم ، لأن العدم لا شيء ، وهذا من بعض وجوه ما يحتمله لفظ الآية ، فكأنه يريد إذا طلقن حرم الله عليهن أن يكتمن أزواجهن الحيض ويقلن قد طهرت استعجالا للطلاق لما له عليها من حكم الرجعة في زمان العدة ، وهذا التأويل في الآية ظاهر ، ويريد أيضا كتمان الولد ، تكتم حملها لئلا يضن بالطلاق ، وهذا الوجه أيضا سائغ في الآية ، ثم قال : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يقول : لا يفعلن ذلك إن كن يؤمن بالله ، أي يصدقن بأن الله يؤاخذهن على ذلك ويعاقبهن في الدار الآخرة ، فإنه من صّدق باليوم الآخر وأن الله له فيه حكم على عباده وأنه مسؤول ، لا يقدم