بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعمل بعلمه ، فما علم أنه يكون كونه ، وما علم أنه لا يكون لم يكونه ، فكان عمله بعلمه.
____________________________________
والذي يشترط الوطأ في ذلك يفتقر إلى نص من الشرع ، وقد ورد في ذلك حديث ولكن فيه نظر من حيث أنه قضية في عين ، وتتضمن هذه الآية صحة نكاح المحلل ، فإنه أرسله مطلقا من غير تقييد ، ويخرج قول النبي عليهالسلام : [لعن الله المحلل والمحلل له] مخرج اللغو في الأيمان ، إذ كانت اللعنة بمعنى البعد ، فكأنه قال : لعن الله ، أي أبعد الله ، المحلل والمحلل له ، لما في ذلك من عدم الغيرة وقلة المروءة ، فلا يريد به الجزم بالدعاء عليهما ، ولا الإخبار عن الله أنه أبعدهما من رحمته ، والأظهر أنه بعد من المروءة والغيرة المستحسنة في الرجال ، ولهذا جوز نكاحه من جوزه ، وهو الأوجه في المسألة ، إذ كانت لعنة المؤمن حرام ، والنبي أبعد من كل ما ينهى عنه ، فإنه اتقى لله ، وقد روينا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال لامرأة مطلقة بالثلاث : يا فلانة وهل تستحلي بأحد أفضل مني ، فتبسمت ، فلو فهم من لعنة النبي عليهالسلام ما فهم من لم يجوز ذلك لكان الحسن أبعد منه رضي الله عنه ، قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وهو من أهل البيت بلا شك ، وقد أخبر الله أنه طهرهم وأذهب عنهم الرجس ، وخبره صدق ، وهذا يدل على عصمة أهل البيت في حركاتهم وحفظ الله لهم في ذلك وليس ذلك لغيرهم ، فقد رأى الحسن نكاح التحليل (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) يقول : فإن طلقها الزوج الذي وقع بنكاحه الإحلال ، فللزوج الأول أن يراجعها ولها أن تراجعه (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أي إن غلب على ظنهما أن كل واحد منهما يقوم بحق الله فيما أوجبه الله عليه في معاشرة صاحبه ، إذ كان سبب الخلع الخوف من ذلك قال : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعني مواقع الكلام والبيان ، ثم قال : (٢٣٢) (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) يقول : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) فإن أراد الطلقة التي يملك فيها الرجعة إلا أنه لم يراجعها حتى انقضت عدتها على اختلاف أحوال النساء في العدة ، مثل اليائسة والحائض والتي لم تحض بعد وغيرهن ، وقد يريد في الطلاق البائن الذي لا يراجعها إلا برضاها أو المحلّلة إذا انقضت عدتها من الثاني ، كل ذلك سائغ في تأويل هذه الآية ، وفي الكلام حذف ، وهو فراجعتموهن بعد فراغ الأجل (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي بما أمر الله أن تمسك به ، وإن لم تطق على ذلك فقد جعل لك سراحها فقال : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي لا تسرحوهن بما لم يأمر به الله فهو قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) ثم قال : (وَلا تُمْسِكُوهُنَ