فالحمد لله الذي وسع كرسيه السموات والأرض ، ووضع فيه ميزان الرفع والخفض ، ودلى إليه قدمي النهي والأمر ، وصيره طريق روحانيات التدبير في السر والجهر.
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٥٦)
وهؤلاء هم السعداء الذين حق على الله نصرهم بقوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥٧)
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) نسب الله لنفسه الولاية بتعلق خاص للمؤمنين خاصة ، وذلك من اسمه المؤمن ، والمؤمن من يعطي الأمان في نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم ، فهم في أمان منه من تعديه فيها ، ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن ، والمؤمن من أعطى الأمان في الحق إن أمنه ، فلا يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة ، كالذلة والافتقار ، وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن ، فالمؤمن اسم لله تعالى والمؤمن اسم للإنسان ، وقد عم في الولاية بين المؤمنين ، فهو ولي الذين آمنوا بإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور ، وليس إلا إخراجهم من العلم بهم إلى العلم به ، فإنه يقول : من عرف نفسه عرف ربه ، فيعلم أنه الحق ، فيخرج العارف المؤمن الحق بولايته التي أعطاه الله من ظلمة الغيب إلى نور الشهود ، فهو نور العيان وهو عين اليقين ، فيشهد ما كان غيبا له ، فيعطيه كونه مشهودا ، ولم يكن له هذا الحكم من هذا الشخص قبل هذا ،