فكون الشخص مؤمنا سبب إخراجه من الظلمات إلى النور ، ولولا أنهم كانوا في ظلمة بالطبع ما امتن عليهم بإخراجهم منها إلى ما أدخل عليهم من نور اليقين ، وكذلك جاء الخبر أن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه اهتدى ومن أخطأه ضل ، واعلم أن أشد الظلمات ظلمة الإمكان ، فإنها عين الجهل المحض ، فإذا تولى الله عبده أخرجه من ظلمة الجهل الذي هو الإمكان ، وليس إلا نظره لنفسه معرى عن نظره للذي تولاه ، فيخرجه بهذا التولي من ظلمة إمكانه إلى نور وجوب وجوده به ـ إشارة ـ هل تعرف من هم أصحاب الظلم ، الناظرون في العلم بالله بالدليل النظري ، والمهواة الشبهة ، فما يحركهم مع هذا إلا نعمة الإيمان ، فانتقلوا إلى التقليد ، فتحركوا بنور الشرع المطهر ، فأبصروا محجة بيضاء ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ولا تخاف فيها دركا ولا تخشى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) وما أفرد الله الطاغوت في قوله : (يُخْرِجُونَهُمْ) لأن الأهواء مختلفة ، وأفرد نفسه لأنه واحد ، والطاغوت من طغى ، إذا ارتفع ، فهم يعتقدون في الطاغوت الألوهية ، فلذلك رفعوه.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨)
لما كان القوم يرجعون في عبادتهم لما نحتوه آلهة لا إلى نمروذ بن كنعان ، فإن الأنوار التي أشار إليها إبراهيم لم تكن آلهتهم ، ولا كان النمروذ إلها لهم ، لذلك قال إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) لم يجرأ نمروذ أن ينسب الإحياء والإماتة لآلهتهم التي وضعها لهم لئلا يفتضح ، فقال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) فعدل إلى نفسه تنزيها لآلهتهم عندهم ، حتى لا يتزلزل الحاضرون ، فإنه يقال فيمن أبقى حياة الشخص عليه إذا استحق قتله ، أن يقال أحياه ، ولم يكن مراد الخليل إلا ما فهمه نمروذ ، ولما علم إبراهيم عليهالسلام قصور أفهام الحاضرين عما جاء به لو فصله ، وطال المجلس ، فعدل إلى الأقرب في أفهامهم وهو