(كُنْ) وجعله سترا على الاقتدار ، فكان الممكن عن الاقتدار الإلهي من حيث لا يعلم الممكن ، وسارع الممكن إلى التكوين فكان ، فظهر منه عند نفسه السمع والطاعة لمن قال له كن ، وأخفى عزوجل اقتداره وجاء بالقول بصيغة الأمر ليتصف الممكن بالسمع والطاعة ، فلا تزال عين الحق تنظر إليه بالرحمة وتراعي منه هذا الأصل ، مع أن القول لا حكم له في المعدوم ، ولا سيما فيمن ليس له اقتدار بالأصالة ، فأشبه صورة التكليف والفعل لله.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٢٨٥)
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) منزلة الأنبياء فيما يأخذونه من الغيب بطريق الإيمان منزلة المؤمنين مع ما يأخذونه من الأنبياء ، فالأنبياء مؤمنون بما يلقي إليهم الروح ، فلا يأخذون التشريع إلا من الروح الذي ينزل به على قلوبهم ، وهو تنزيل خبري لا علمي ، فلا يتلقونه إلا بصفة الإيمان ، ولا يكشفونه إلا بنوره ، فهم صدّيقون للأرواح التي تنزل عليهم بذلك (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) ونحن أمرنا بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبجميع الرسل والكتب ، وأخبر الحق عنا بذلك ، وخبره صدق ، فاستحال في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم أن يؤمن المؤمن منهم ببعض ويكفر ببعض ، فهذه عناية إلهية حيث أخبر بعصمتنا من ذلك ، فهي بشرى لنا ، وقال صلىاللهعليهوسلم لليهود : نحن أولى بموسى منكم ، فكنى بنحن عن نفسه وأمته ، فكنا أولى بموسى عليهالسلام من اليهود ، لأنهم لم يؤمنوا بكل ما أتى به موسى ، ونحن آمنا به وبما أنزل عليه ، ولا يلزم الإيمان بالشيء العمل به إلا حتى يكون فيما أنزل العمل بما أنزل أو ببعض ما أنزل ، فالتصديق يعمّ ، فنحن آمنا بما أنزل من قبلنا من حيث ما أنزل على نبينا لا من حيث ما نقل إلينا (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) مع علمنا بأن الله فضل بعضهم على بعض رسلا وأنبياء ، ثم نهانا أن نفضل بين الأنبياء قياسا ونظرا ، فإن العبد