يطلبه بنصيبه ودلالته منه. فالمحكم محكم لا يزول ، والمتشابه متشابه لا يزول ، وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل أن علم العالم بما يؤل إليه ذلك اللفظ في حق كل من له فيه حكم ، أنه يخرجه عن كونه متشابها ليس الأمر كذلك ، بل هو متشابه على أصله مع العلم بما يؤل إليه في حق كل من له نصيب فيه ، واعلم أن الورع هو اجتناب المحرمات ، وكل ما فيه شبهة من جانب المحرم فيجتنب لذلك الشبه ، وهو المعبر عنه بالشبهات أي الشيء الذي له شبه بما جاء النص الصريح بتحريمه من كتاب أو سنة أو إجماع ، بالحال الذي يوجب له هذا الاسم. (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) وهم الغواصون الذين يستخرجون لب الأمور إلى الشهادة العينية ، بعد ما كان يستر ذلك اللب القشر الظاهر الذي كان به صونه ، فإن الراسخ في العلم جمع بين الإيمان الذي هو الدين الخالص ، وبين ما تستحقه مرتبته من التسليم لله في كل ما يخبر به عن نفسه ، وأما العقول التي أدركها الفضول فتأولت المتشابه من الأمور ، فنحن نسلم لهم حالهم ولا نشاركهم في ذلك التأويل ، فإنا لا ندري هل ذلك مراد الله بما قاله فنعتمد عليه أو ليس بمراده فنرده ، فلهذا التزمنا التسليم. فإذا سئلنا عن مثل هذا قلنا : إنّا مؤمنون بما جاء من عند الله على مراد الله به ، وإنّا مؤمنون بما جاء من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورسله عليهمالسلام على مراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومراد رسله عليهمالسلام ، ونكل العلم في كل ذلك إليه سبحانه وإليهم وقد تكون الرسل بالنسبة إلى الله في هذا الأمر مثلنا ، يرد عليها هذا الإخبار من الله فتسلمه إليه سبحانه وتعالى كما سلمناه ولا تعرف تأويله ، هذا لا يبعد ، وقد تكون تعرف تأويله بتعريف الله بأي وجه كان ، هذا أيضا لا يبعد ، وهذه كانت طريقة السلف جعلنا الله لهم خلفا بمنّه. فطوبى لمن راقب ربه وخاف ذنبه وعمر بذكر الله قلبه وأخلص لله حبه.
وفي هذا الزمان أمر عظيم خطبه ، وعمّ ضرره ، وهو ما تظاهر به بعض المبتدعة المنتسبين إلى الحديث والفقه ، وأشاعه في العامة والخاصة ، من اعتقاد ظواهر الآيات المتشابهة في أسمائه تعالى وصفاته ، من غير تعرض لصرفها عما يوهم التشبيه والتجسيم ، ويزعم أنه في ذلك متمسك بالكتاب وماش في طريقة السلف الصالح ، ويشنع على من تعرض إلى شيء منها بتأويل أو صرفه على ظاهره بدليل ، وينسبه في ذلك إلى مخالفة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ، لكونهم ما نقل عنهم التعرض لشيء من ذلك ، وقد ضلّ وأضلّ كثيرا ، وما يضلّ