حكم أو أزيد ، على قدر ما يفتح للعبد في ذلك ، فرضا كان أو سنة أو مستحبا ، لا بدّ من ذلك ، وحدّ ذلك في سائر العبادات المشروعة كلها ، وبهذا يتميز حكم الظاهر من الباطن ، فإن الظاهر يسري في الباطن ، وليس في الباطن أمر مشروع ، يسري في الظاهر ، بل هو عليه مقصور ، فإن الباطن معان كلها ، والظاهر أفعال محسوسة ، فينتقل من المحسوس إلى المعنى ولا ينتقل من المعنى إلى الحسّ ، لهذا جاء الاعتبار في الشرع ، فإن خطاب الشرع إذا تعلق بالظاهر كان اعتباره في الباطن ، وإذا تعلق خطاب الشرع بالباطن كان اعتباره في الظاهر ، فالعالم لا يزال ناظرا إلى الشرع بمن علق الحكم فيما جاء به في هذه المسئلة الخاصة ، هل بالظاهر مثل الحركات؟ أو بالباطن مثل النية والحسد والغل وتمني الخير للمؤمنين والظن الحسن والظن القبيح؟ فحيث ما علق الشارع خطاب اللسان الظاهر به كان الاعتبار في مقابله ، أو في مقابلة الحكم ، كالظن الحسن يقابله الظن القبيح ، ويقابله الفعل الحسن في الظاهر ، هذه مقابلة المواطن ، فنجمع بين الظاهر والباطن لكمال النشأة ، فإنه ما يظهر في العالم صورة من أحد من خلق الله بأي سبب ظهرت من أشكال وغيرها ، إلا ولتلك العين الحادثة في الحس روح ، تصحب تلك الصورة في الشكل الذي ظهر ، فإن الله هو الموجد على الحقيقة لتلك الصورة بنيابة كون من أكوانه ، من ملك أو جن أو إنس أو حيوان أو نبات أو جماد ، وهذه الأسباب كلها لوجود تلك الصورة في الحسّ. فلما علمنا أن الله قد ربط بكل صورة حسية روحا معنويا بتوجه إلهي عن حكم اسم رباني ، لهذا اعتبرنا خطاب الشرع في الباطن على حكم ما هو في الظاهر ، قدما بقدم ، لأن الظاهر منه هو صورته الحسية ، والروح الإلهي المعنوي في تلك الصورة هو الذي نسميه الاعتبار في الباطن ، من عبرت الوادي إذا جزته ، وهو قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) وقال (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) أي جوزوا مما رأيتموه من الصور بأبصاركم ، إلى ما تعطيه تلك الصور من المعاني والأرواح في بواطنكم ، فتدركونها ببصائركم ، وأمر وحث على الاعتبار ، وهذا باب أغفله العلماء ولا سيما أهل الجمود على الظاهر ، فليس عندهم من الاعتبار إلا التعجب ، فلا فرق بين عقولهم وعقول الصبيان الصغار ، فهؤلاء ما عبروا قط من تلك الصورة الظاهرة كما أمرهم الله.