حب الشيء نفسه ، ولا شيء أحب إلى الشيء من نفسه ، فاختبره الله بنفسه في صورة خارجة عنه سماه ولدا ، ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق في إقامة الحقوق عليه ، يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حق ابنته فاطمة ومكانتها من قلبه المكانة التي لا تجهل : [لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها] وجلد عمر بن الخطاب ابنه في الزنا فمات ، ونفسه بذاك طيبة. فما من فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد ، والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ، والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه ، وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه ، وما سمي مالا إلا لكونه يمال إليه طبعا ، فاختبر الله به عباده حيث جعل تيسير بعض الأمور بوجوده ، وعلّق القلوب بمحبة صاحب المال وتعظيمه ، ولو كان بخيلا ، فإن العيون تنظر إليه بعين التعظيم ، لتوهم النفوس باستغنائه عنهم ، لما عنده من المال ، وربما يكون صاحب المال أشد الناس فقرا إليهم في نفسه ، ولا يجد في نفسه الاكتفاء ولا القناعة بما عنده ، فهو يطلب الزيادة مما بيده ، ومن أراد أن يعتصم من التزيين ، فليقف عند ظاهر الكتاب والسنة ، لا يزيد على الظاهر شيئا ، فإن التأويل قد يكون من التزيين ، فما أعطاه الظاهر جرى عليه ، وما تشابه منه ، وكل علمه إلى الله ، وآمن به ، فهذا متبع ليس للتزيين عليه سبيل ، ولا يقوم عليه حجة عند الله. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) الإنسان يتردد بين ثلاثة أحكام : حكم ذاتي له منه عليه وهو المباح ، وحكمان قرنا به مما قرن به من الأرواح الطاهرة الملكية وغير الطاهرة الشيطانية ، وله القبول والردّ بحسب ما سبق به الكتاب ، وقضى به الخطاب ، فمنهم شقي وسعيد ، كما كان من القرناء مقرب وطريد ، فهو لمن أجاب ، وعلى الله تبيان الخطأ من الصواب ، وغاية الأمر «أن الله عنده حسن المآب» وما قرن الله قط بالمآب إليه سوأ تصريحا ، وغاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم الأول. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ