التعمل بالتقوى ، فيتولى الله تعليمنا بالتجلي ، فنشهد ما لا تدركه العقول بأفكارها مما ورد به السمع ، وأحاله العقل ، وتأوله عقل المؤمن ، وسلمه المؤمن الصرف أما إذا أردنا أن نتأول نسبة النفس هنا إلى الله تعالى ، وهي من الآيات المتشابهة ، فنرد ذلك إلى آياته المحكمة ، فيكون قوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي يحذركم أمّ كتابه ، بدليل قوله أول الآية (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) الآية ، مع قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) الآية ، مع ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من قوله صلىاللهعليهوسلم [فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع واحد ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها ـ الحديث] فهذا تحذير من أم الكتاب الذي يكون خاتمة العبد على وفق ما سبق له فيه ، وبهذا يفهم السر في ذكر النفس وأم الكتاب متقاربين في أول السورة ـ راجع تفسير النفس في سورة المائدة آية ١١٦ ـ (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فمن رأفته أن حذرنا نفسه ، فإنه من ليس كمثله شيء لا يعرف أبدا إلا بالعجز عن معرفته ، وذلك أن نقول ليس كذا وليس كذا ، مع كوننا نثبت له ما أثبته لنفسه إيمانا لا من جهة عقولنا ولا نظرنا. فليس لعقولنا إلا القبول منه فيما يرجع إليه ، فهو الحي الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الخالق البارئ المصور الحكيم ، بهذا وأمثاله أخبرنا عن نفسه ، فنؤمن بذلك كله على علمه بذلك ، لا على تأويل منا لذلك ، فإنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلا ينضبط لعقل ولا ناظر ، فما لنا من العلم به من طريق الإثبات إلا ما أوصله إلينا في كتبه وعلى ألسنة رسله المترجمين عنه ، ليس غير ذلك. ونسبة هذه الأسماء إليه غير معلومة عندنا ، فإن المعرفة بالنسبة إلى أمر ما موقوفة على علم المنسوب إليه ، وعلمنا بالمنسوب إليه ليس بحاصل ، فعلمنا بهذه النسبة الخاصة ليس بحاصل ، فالفكر والتفكر والمتفكر يضرب في حديد بارد. جعلنا الله وإياكم ممن عقل ، ووقف عندما وصل إليه منه سبحانه ، ونقل.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣١)