اللهِ) يتعلق بيكون طيرا ، وأما عند مثبتي الأسباب فيتعلق بقوله (فَأَنْفُخُ) فإنه نسب الخلق إلى عيسى عليهالسلام ، وهو إيجاد صورة الطائر في الطين ، ثم أمره أن ينفخ فيه ، فقامت تلك الصورة التي صورها عيسى عليهالسلام طائرا حيّا ، وقوله (بِإِذْنِ اللهِ) يعني الأمر الذي أمره الله به في خلقه صورة الطائر ، والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحيائه الميت ، فأخبر أن عيسى عليهالسلام لم ينبعث إلى ذلك من نفسه ، وإنما كان عن أمر الله ، ليكون ذلك وإحياء الموتى من آياته على ما يدعيه ، ويخرج عليهالسلام ممن يدّعى فيه الخلق ، إذ يقول تعالى (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) فلو قالوا عيسى دعي إلها من دون الله وقد خلق من الأرض ، لذلك قدم الحق لأجل هذا القول أن خلق عيسى للطير كان بإذن الله ، فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى الله ، والمأمور عبد ، والعبد لا يكون إلها ، فكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ، ليعلم العالم من الجاهل ، وفضل الخلق بعضهم على بعض. واعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية ، فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر ، فكان غالبا على الطبيعة بخلاف من نزل عن هذه الرتبة ، ولما كان الممثل به روحا في الأصل كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ، ألا ترى السامري لمعرفته بأن جبريل معدن الحياة حيث سلك ، أخذ من أثره قبضته فرماها في العجل فخار وقام حيا.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٥٢)
الحواريون هم العلماء أتباع عيسى عليهالسلام ، والحواري هو من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة ، فأعطي العلم والعبارة والحجة وأعطي السيف والشجاعة والإقدام ، ومقاومة التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع.