نصبها على المرتبة ، ليعلم أنه لا إله إلا هو (١) ، ولهذا لا يصح أن يكون عليه ، وإليه الدلالة بقوله صلىاللهعليهوسلم : [كان الله ولا شيء معه] ، فهو غني عن الدلالة. واعلم أن معقولية كون الله ذاتا ، ما هي معقولية كونه إلها ، وهي مرتبة ، وليس في الوجود العيني سوى العين ، فهو من حيث هو غني عن العالمين ، ومن حيث الأسماء التي تطلب العالم لإمكانه لظهور آثارها فيه ، يطلب وجود العالم ، فلو لا الممكن ما ظهر أثر للأسماء الإلهية ، فللأسماء الإلهية أو المرتبة التي هي مرتبة المسمى إلها التصريف والحكم فيمن نعت بها ، فبها يتصرف ، ولها يتصرف ، وهو غني عن العالمين في حال تصرفه ، لا بد منه ، فالألوهية مرتبة للذات ، لا يستحقها إلا الله ، فطلبت مستحقها ، ما هو طلبها ، والمألوه يطلبها وهي تطلبه ، والذات غنية عن كل شيء. فالله من حيث ذاته ووجوده غني عن العالمين ، ومن كونه ربّا يطلب المربوب بلا شك ، فهو من حيث العين لا يطلب ، ومن حيث الربوبية يطلب المربوب وجودا وتقديرا ، فالوجود الحادث والقديم مربوط بعضه ببعضه ربط الإضافة والحكم ، لا ربط وجود العين ، وذلك تنزيه أن يقوم بالحق فقر ، أو يدل عليه دليل غير نفسه ، فإن الله وإن كان في ذاته غنيا عن العالمين ، فمعلوم أنه منعوت بالكرم والجود والرحمة ، فلا بد من مرحوم ومتكرم عليه ، فأوجد العالم من جوده وكرمه ، وهذا لا يشك فيه عاقل ولا مؤمن ، وأن الجود له نعت نفسي ، فإنه جواد كريم لنفسه ، فلا بد من وجود العالم ، وما حكم العلم بكونه يستحيل عدم كونه ، فهو تعالى المطلوب للعالم ، والطلب يؤذن بالافتقار في حق المحدثات ، وهو المطلوب ، فهو الغني. فمن كونه مطلوبا للموجودات صح افتقارها إليه ، والممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى الله منه في حال وجوده ، ولهذا لا تصحب الممكن دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده ، فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم في الجود والكرم ، وبذلك صح غناه تعالى عن العالم. فقبوله عليه قبول جود وكرم ، ومتعلق غناه تعالى هو فيما بقي من الممكنات مما لم يوجد ، فإنها غير متناهية بالأشخاص ، فلا بد من بقاء ما لم يوجد ، فبه تتعلق صفة الغنى الإلهي عن العالم ، فإن بعض العالم يسمى عالما. فمن فهم الغنى الإلهي هكذا فقد علمه ، وأما تنزيه الحق عما تنزهه عباده مما سوى العبودية ، فلا علم لهم بما
__________________
(١) راجع سورة العنكبوت آية ٦.