فهو من الذين يصدون عن سبيل الله إن كان لها محرم تسافر معه ، إذا كانت آفاقية. وأما إن كانت من أهل مكة ، فلا تحتاج إلى إذن زوجها ، فإنها في محل الحج ، كما لا تستأذنه في الصلاة ولا في صوم رمضان ولا في الإسلام ولا في أداء الزكاة ، وهذه العبادة عندنا على الفور عند الاستطاعة. (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) اعلم أن الله ما هو غني عن العالم إلا لظهوره بنفسه للعالم ، فاستغنى أن يعرف بالعالم ، فلا يدل عليه الغير ، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه ، فلا دليل عليه سواه. فإنه لا شيء أدلّ من الشيء على نفسه ، فهو غني عن العالمين ، أي سواء ظهوركم وعدمكم ، فهو غني عن الدلالة ، كأنه يقول : ما أوجدت العالم ليدل عليّ ولا أظهرته علامة على وجودي ، وإنما أظهرته ليظهر حكم حقائق أسمائي ، وليست لي علامة عليّ سوائي ، فإذا تجليت عرفت بنفس التجلي ، والعالم علامة على حقائق الأسماء لا عليّ ، وعلامة أيضا على أني مستنده لا غير ، فإن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهي ، إلا النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته ، وبه كان غنيا عن العالمين ، والنعت الذاتي الذي للعالم بالاستحقاق وبه كان فقيرا ، بل عبدا ، فإنه أحق من نعت الفقر ، وإن كان الفقر والذلة على السواء ، فالحق تعالى هو المنزه عن أن تدل عليه علامة ، فهو المعروف بغير حد ، المجهول بالحد ، ولهذا فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللربّ ، ولا يكون لله أبدا ، فإن الله هو الغني ، وكذا الاسم الإلهي الأحد ، فلا يتجلى في هذا الاسم ، ولا يصح التجلي فيه ، وما عدا هذين الاسمين من الأسماء المعلومات لنا ، فإن التجلي يقع فيها ، والعالمون هنا هو الدلالات على الله ، فهو غني عن الدلالات عليه ، فرفع أن يكون بينه وبين العالم نسبة ووجه يربطه بالعالم ، من حيث ذلك الوجه الذي هو منه غني عن العالمين ، وهو الذي يسميه أهل النظر وجه الدليل. يقول الحق : ما ثمّ دليل عليّ فيكون له وجه يربطني به ، فأكون مقيدا به ، وأنا الغني العزيز ، الذي لا تقيدني الوجوه ، ولا تدلّ عليّ أدلة المحدثات ، فالواجب الوجود غني على الإطلاق ، فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو ، فهو الغني بذاته على الإطلاق عن العالمين بالدليل العقلي والشرعي ، إذ لو أوجد العالم للدلالة عليه لما صح له الغنى عنه ، فهو أظهر وأجلى من أن يستدل عليه بغير ، أو يتقيد تعالى بسوى ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لكان للدليل بعض سلطنة وفخر على المدلول ، فكان يبطل الغنى ، فما نصب الأدلة عليه ، وإنما