المشروع في كل ركن تعرف مراتب الأركان ، وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين وما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ، ليميز الله رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ، فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر ، إلهي وملكي ونفسي ، وكما أن الله تعالى أودع في الكعبة كنزا ، كذلك جعل الله في قلب العارف كنز العلم بالله ، فشهد لله بما شهد به الحق لنفسه ، من أنه لا إله إلا الله ، ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ، فقال (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) فجعلها كنزا في قلوب العلماء بالله ، فالله بيته قلب عبده المؤمن ، والبيت بيت اسمه تعالى ، والعرش مستوى الرحمن ، فبين القلب والعرش في المنزلة ما بين الاسم الله والاسم الرحمن ، فإن مشهد الألوهية أعمّ ، لإقرار الجميع ، فما أنكر أحد الله ، وأنكر الرحمن ، فإنهم قالوا : (وَمَا الرَّحْمنُ) ولما كان الحج لبيت الله الحرام تكرار القصد في زمان مخصوص ، كذلك القلب تقصده الأسماء الإلهية في حال مخصوص ، إذ كل اسم له خاص يطلبه ، فمهما ظهر ذلك الحال من العبد طلب الاسم الذي يخصه ، فيقصده ذلك الاسم ، فلهذا تحج الأسماء الإلهية بيت القلب ، وقد تحج إليه من حيث أن القلب وسع الحق ، والأسماء تطلب مسماها ، فلا بد لها أن تقصد مسماها ، فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه السعة التي يعلمها سبحانه ، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) لما كان قصد البيت قصدا حاليا ، لأنه يطلب بصورته الساكن ، فلله على الناس أن يجعلوا قلوبهم كالبيت ، تطلب بحالها أن يكون الحق ساكنها ، وهذا معنى من قرأ بكسر الحاء ، وهو الاستعداد بالصفة التي ذكر الله أن القلب يصلح له تعالى بها ، ومن قرأ بفتح الحاء ، فوجب عليه أن يطلب قلبه ليرى فيه آثار ربه ، فيعمل بحسب ما يرى فيه من الآثار الإلهية والعمرة التي هي الزيارة بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان ، فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه ، فالزيارة من غير تسميتها بالعمرة تكون لكل زائر حيث كان ، وكذلك الحج ، فهي زيارة مخصوصة كما هو قصد مخصوص ، ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة ، وأما العمرة بلسان الشرع فلا تصح إلا بمكة ، وكذا الحج.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) (٩٨)
فالله هو الشهيد الذي لا يقبل الرشا ، والبصير لا يقوم ببصره غشا.