مُقْتَدِرٍ) إلى أمثال هذه الآيات النيرات ، فقد شاء سبحانه وتعالى أن لا تنال المقامات على تفاصيلها بتفاضل بعضها على بعض إلا بعمل ، والصبر والرضى من جملة الأعمال والأحوال المشروعة لنا ، المأمور بها شرعا ، كما قال تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) ولا يكون الصبر إلا على بلاء ومشقة. وأصل السعادة الجامعة لها موافقتنا للحق تعالى فيما أمر به ونهى شرعا ، مع التوحيد في باطنه بنفي الأغيار ، وتلك الموافقة عناية من الله تعالى ببعض عباده ، ولكن ينبغي للعبد أن يعتقد أن أعماله لم توصله إلى نيل تلك المقامات ، وإنما أوصله إلى ذلك رحمة الله تعالى به الذي أعطاه التوفيق للعمل والقدرة عليه والثواب. فحصول السعادة أعني دخول دار الكرامة ابتداء إنما هو برحمة الله تعالى ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [لا يدخل أحد الجنة بعمل ، قيل له : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته] فالدخول برحمة الله ، وقسمة الدرجات بالأعمال ، والخلود بالنيات ، وكذلك في دار الشقاوة ، دخول أهلها فيها بعدل الله ، وطبقات عذابهم بالأعمال. وخلودهم بالنيات. وأصل ما استوجبوا به العذاب المؤبد المخالفة ، كما كانت السعادة في الموافقة. وكذلك من دخل من العاصين النار ، لولا المخالفة ما عذبهم الله شرعا. وأول ما يجب عليك ، إن رزقت الموافقة والتوفيق ، العلم بالأمور التي مهدناها لك ، فإذا علمتها توجه عليك العمل بها ، وإن كان طالب العلم في عمل من حيث طلبه ، ولكن يعطيك العلم العمل بأمور أخر ، توجه عليك بها خطاب الشارع ، كما أن العلم لم يصح طلبه إلا بالعلم. فمن حصل له العلم بالأحكام التي يحتاج إليها في مقامه ، فلا يكثر مما لا يحتاج إليه ، فإن التكثير مما لا حاجة فيه سبب في تضييع الوقت عما هو أهم ، فيأخذ منها ما توجه عليه في الوقت من علم تكليف ذلك الوقت ، فإذا عرفت هذا ، ولازمت العمل ، فأنت الموفق السعيد. واعلم أن عدد الأعضاء المكلفة ثمانية : وهي العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، فعلى كل واحد من هذه الأعضاء تكليف ، يخصه من أنواع الأحكام الشرعية ، ثم تصرفها على الوجه الشرعي في محلين خاصة إما في ذاتك وإما في غير ذاتك. فالذي في ذاتك منه ما يلحقك عليه المذمة الشرعية والمحمدة عند الله تعالى ، فالمحمدة كالصوم والصلاة وما أشبه ذلك ، والمذمة كضربك نفسك بالسكين لتقتلها. ومنها ما لا يلحقك فيه مذمة ولا محمدة ، كصنف المباح ، ولا يجوز لك هذا الفعل إلا في ذاتك. وأما في غير ذاتك فلا إلا بشرط