إبانة الصبح لذي عينين ، بلسان وشفتين ، نسأل الله العصمة من الأهواء وأمراض التعصب وحمية الجاهلية. من هذا نعلم أنه إذا عرف التلميذ من الشيخ أنه محل لظهور آثار الربوبية ، وهو في نفسه على خلاف ما يظهر للعالم ، مشاهد عبودته ، فقد فتح الله على ذلك التلميذ بما فيه سعادته ، فإنه يتجرد إلى جانب الحق تجرد الشيخ ، فإنه عرف منه واتكل على الله لا عليه ، وبقي ناظرا في الشيخ ما يجري الله عليه من الحال في حق ذلك التلميذ ، من نطق بأمر يأمره به أو ينهاه ، أو بعلم يفيده ، فيأخذه التلميذ من الله على لسان هذا الشيخ ، ويعلم التلميذ في نفسه من الشيخ ما يعلمه الشيخ من نفسه ، أنه محل جريان أحكام الربوبية ، حتى لو فقد الشيخ لم يقم فقده عند ذلك التلميذ ذلك القيام ، لعلمه بحال شيخه ، كأبي بكر الصديق مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين مات. (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) لما أسداه من آلائه.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (١٤٦)
(فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) عن حمل ما ابتلوا به ، لأنهم حملوه بالله ، وإن شق عليهم (وَمَا اسْتَكانُوا) لغير الله في إزالته ، ولجؤوا إلى الله في إزالته : (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) وهم الذين ابتلاهم الله ، فحبسوا نفوسهم عن الشكوى إلى غير الله الذي أنزل بهم هذا البلاء ، وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا عن حمله ، فما ابتلى الله عباده إلا ليلجؤوا في رفع ذلك إليه ، ولا يلجؤوا في رفعه إلى غيره ، فإذا فعلوا ذلك كانوا من الصابرين ، وهو محبوب لله ، ومن أسمائه تعالى النعتية الصبور ، فما أحب إلا من رأى خلعته عليه. فعليك بمراقبة الله عزوجل فيما أخذ منك وفيما أعطاك ، فإنه تعالى ما أخذ منك إلا لتصبر فيحبك ، فإنه يحب الصابرين ، وإذا أحبك عاملك معاملة المحب محبوبه ،