كان العمل ما كان ، فإن كان خيرا فلا يضيع أجره ، وإن لم يكن خيرا فإن الله لا يضيعه ، لأنه لا بد أن يبدل الله سيئات التائب حسنات ، فإن لم يكن العمل غير مضيع وإلا ففي أي أمر يقع التبديل ، لأن الأعمال صور أنشأها العامل ، لا بل أنشأها الله ، فإنه العامل والعبد محل ظهور ذلك العمل ، فكيف يضيع عنه أو يضيعه ، وهو خلق خلقه يسبح بحمده.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩٩)
الخشوع لا يكون حيث كان إلا عن تجل إلهي على القلوب ، ففي قلب المؤمن يكون عن تعظيم وإجلال ، فإذا وقع التجلي حصل الخشوع ، وأورث التجلي العلم ، والعلم يورث الخشية ، والخشية تعطي الخشوع ، والخشوع يعطي التصدع ، وهو انفعال الطبع للخشوع.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل