يرد منه من دين وشرع ونحوهما ، فيستحق حامله بوصف قبوله المذكور الأمن من سخط الرحمن ، فيسمى بهذا الوصف والحكم الخاص إيمانا وتصديقا ، وعلى التحقيق إنما هو أول اعتبار من العلم متعلق بالدين والشرع وحداني النعت ، من غير اعتبار تأيد بدليل وبرهان عقلي أو سمعي أو كشفي ، فإذا تأيد بشيء من ذلك صار علما وإيقانا ، وخرج من كونه إيمانا ، ثم إن محل هذا النور يختلف بحسب رقة حجب العادة والطبع الحائل بين النفس والقلب ، وبين قبولهما الدين والشرع وبحسب كثافتهما ، فمهما رقّت الحجب وشفت يرد هذا النور من ضمن إخبار مخبر صادق عن الحق تعالى ، رغما منه بطريق السمع غالبا ، ويخلص إلى القلب فيتلقاه القلب بالقبول ، وذلك يكون نفس التصديق الذي محله القلب ، والدليل على كونه نورا قول النبي صلىاللهعليهوسلم : [فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور] وذلك في آخر حديث تمثيل اليهود والنصارى والمسلمين وتمثيل إجارتهم وأجورهم ، وأما الدليل على وروده على القلب قوله عز من قائل [أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه] فيظهر القلب وآثاره ، ويتميز بعد أن كان مغمورا ومستورا ومقهورا تحت سلطنة النفس وآثارها ، ثم بعد هذا الورود يسري أثره من الباطن والقلب إلى ظاهر النفس ، حتى إلى صورتها البدنية وسائر قواها وأعضائها ، فتنقاد وتستسلم وتلين بعد انشراح الصدر له ولأحكامه الظاهرة والباطنة ، كما قال تعالى [ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله] ويسمى هذا النور بحكم سرايته في الظاهر وتليينه إياه وانقياد الظاهر له ولأحكامه إسلاما ، ومهما تراكمت الحجب لم يرد هذا النور من ضمن الأخبار المذكورة إلا على ظاهر النفس من قبل أن ينشرح الصدر ، فتتلقاه النفس بقبول مختلس ، فتنقاد له ولأحكامه الظاهرة الحسية ، رغبة أو رهبة متعلقة بالظاهر ، كحقن الدم وصون المال والعرض ، ويسمى هذا النور بهذا القدر اليسير من الانقياد الظاهري إسلاما ، لكن لما لم يخلص ذلك إلى القلب ، لكثافة الحجب وعدم سرايته إلى الباطن أصلا ، لم ينشرح له الصدر ، ولم ينبسط لقبوله كما قال تعالى [قالت
____________________________________
معلومات تستقل العقول بإدراكها ، كالعلم بوجود الحق سبحانه وتوحيده ، ونسب نعوت الكمال والجلال إليه ، وما يجب له وما يستحيل عليه ، وما يجوز أن يكون منه في خلقه ، كل ذلك لا يفتقر إلى خبر ولا مخبر ، وقسم آخر لا تستقل العقول بإدراكه ، وهو وقوع ما يجوز