عذابهم ، كل ذلك تقاسيه نفوسهم ، فإنه قد زالت الحياة من جوارحهم ، فهم ينضجون كما ينضج اللحم في القدر ؛ أتراه يحس بذلك؟ بل له نعيم به إذا كان ثمّ حياة يجعل الله في ذلك نعيما ، وإلا ما تحمله النفوس كشخص يرى بعينه نهب ماله وخراب ملكه وإهانته ؛ فالملك مستريح بيد من صار إليه ، والأمير يعذب بخرابه وإن كان بدنه سالما من العلل والأمراض الحسية. ولكن هو أشد الناس عذابا ، حتى إنه يتمنى الموت ولا يرى ما رآه ، فنضج الجلود سبب في عذاب النفس المكلفة ، والجلد متنعم في ذلك العذاب المحسوس ، لما كانت الجلود من الشهود العدول عند الله ، والتبديل لذوق العذاب كما تبدلت الأحوال عليهم في الدنيا بأنواع المخالفات ، فلكل نوع عذاب ولهم جلد خاص يحسّ بالألم كما كان هنا دائما في تجديد. فإذا انتهى زمان المخالفة المعينة ، انتهى نضج الجلد. فإن شرع عند انتهاء المخالفة في مخالفة أخرى ، أعقب النضج تبديلا آخر ليذوق العذاب كما ذاق اللذة بالمخالفة. وإن تصرف بين المخالفتين بمكارم خلق ، استراح بين النضج والتبديل بقدر ذلك ، فهم على طبقات في العذاب في جهنم. ومن أوصل المخالفات ومذام الأخلاق بعضها ببعض فهم الذين لا يفترّ عنهم العذاب ، فإن العذاب المستصحب أهون من العذاب المجدد. فيذوقون العذاب مستصحبا إلى أن تنضج الجلود ، وحينئذ يتجدد عليهم بالتبديل عذاب جديد ، فرحمهمالله باستصحاب العذاب إلى حين تبديل الجلود من حيث لا يشعرون ، فإن العذاب لو كان مجددا باستمرار لكان أشد في عذابهم ، فلما انتهى بهم العمر إلى الأجل المسمى انتهت المخالفة فتنتهي العقوبة فيهم إلى ذلك الحد ، وتكتنفهم الرحمة التي وسعت كل شيء ، ولا تشعر بذلك جهنم ولا وزعتها (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) (٥٧)
الظل الراحة ـ لا سيما في ظل الأشجار ـ والكنف ، فإنه من قعد في ظلك فهو في كنفك.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ