أبخس ، العدل في الأحكام ، لا يكون محمودا إلا من الحكام ، والعدل هنا من الاعتدال ، لا من الميل ، فإن ذلك إفضال ، ورد في الخبر عن سيد البشر فيمن انقطع أحد شراك نعليه ، أن ينزع الأخرى ليقيم التساوي بين قدميه ، وقال فيمن خصّ أحد أولاده دون الباقين بما خصّه به من المال ، لا أشهد على جور لعدم المساواة والاعتدال ، فسماه جورا ، وإن كان خيرا ، ثم قال : ألست تحبّ أن يكونوا لك في البر على السواء؟ فما لك تعدل عن محجة الاهتداء ، فاعدل بين أودلاك ، بطرفك وتلادك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٥٩)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم مما قال فيه صلىاللهعليهوسلم : إنّ الله يأمركم ، وهو كل أمر جاء في كتاب الله تعالى ، ثم قال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فميّز وعيّن وفرّق ، ففصل أمر طاعة الله من طاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم. فلو كان يعني بذلك ما بلّغ إلينا من أمر الله تعالى لم تكن ثمّ فائدة زائدة ، فلا بد أن يوليه رتبة الأمر والنهي فيأمر وينهى. فنحن مأمورون بطاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الله بأمره. وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، وطاعتنا له فيما أمر به صلىاللهعليهوسلم ، ونهى عنه مما لم يقل هو من عند الله ، فيكون قرآنا. قال الله عزوجل (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فأضاف النهي إليه صلىاللهعليهوسلم ، فأتى بالألف واللام في الرسول يريد بهما التعريف والعهد ، أي الرسول الذي استخلفناه عنا ، فجعلنا له أن يأمر وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا ، فإن الخليفة لا بد أن يظهر فيما استخلف عليه بصورة مستخلفه وإلا فليس بخليفة له فيهم ، فأعطاه الأمر والنهي وسماه بالخليفة ، وجعل البيعة له بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ، وأمر الله سبحانه عباده بالطاعة لله ولرسوله والطاعة لأولي الأمر منهم ، فجمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين الرسالة والخلافة. فما كلّ رسول خليفة ؛ فمن أمر ونهى وعاقب وعفا ، وأمر الله بطاعته ، وجمعت له هذه الصفات ، كان خليفة. ومن بلّغ أمر الله ونهيه