(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨)
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) فإنه لا ينجي حذر من قدر ، وكان الكافرون يتطيرون بمحمد صلىاللهعليهوسلم (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) فقال له تعالى (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي ما يحدث فيهم من الكوائن من حيث أنها فعل. والسيئة هنا ليست السيئة المحكوم بها من الشرع ، وذلك هو الشرّ ، وإنما هو فيما يسوءك وهو مخالفة غرضك ، فقال له تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ما يسوءكم وما يحسن عندكم والتعريف بذلك من عند الله ، والحكم بأن هذا من الله وهذا من نفسك وهذا خير وهذا شر ، فأنكر عليهم أن تكون السيئة من عند محمد صلىاللهعليهوسلم ، فأضاف الكل إلى الله ، والكل خير وهو بيده ، والشر ليس إليه ؛ قال صلىاللهعليهوسلم في دعائه ربّه [والشر ليس إليك] فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه ، ولذلك قال في معرض الذم في حق من جهل ما ذكرناه (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي هو الذي حسن الحسن وقبح القبيح (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي أنتم محجوبون لا تعلمون ما نحدثكم به ، فإن الشرع كله حديث وخبر إلهي بما يقبله العقل فما لهؤلاء القوم لا يفقهون ما حدثناهم به من أن الكل من عندنا ذما وحمدا فلا يذمون ما سميناه مذموما ويحمدون ما سميناه محمودا ، وينظرون الأشياء من حيث علمناهم ووصفناها ، لا من حيث إسنادها إلينا بحكم الإيجاد؟! واعلم أن الحديث قد يكون حديثا في نفس الأمر ، وقد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال وهو أقدم من ذلك الحدوث ، فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء قبل حدوثه عندك ، وقد يكون حادثا بحدوثه عندك ، أي ذلك زمان حدوثه ، وهو ما يقوم بك أو بمن بخاطبك أو يجالسك من الأغراض في الحال ، وأما عندية الله فهي على قسمين ، أعني ما هو عنده : القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته وإن لم نقل فيه إنه غيره ولا عينه أيضا ، كالصفات المنسوبة إليه ، لا هي هو ولا هي غيره ، وقد