جميعهم مثلا بالأشاعرة فلا يزالون مختلفين ، مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد واسم واحد ، وهم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم ، ورأينا المسمين رسلا وأنبياء قديما وحديثا من آدم إلى محمد ومن بينهما عليهم الصلاة والسلام ، ما رأينا ـ أحدا منهم قط ـ قد اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب الله ، بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ، ولا سمعنا عن أحد منهم أنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط ، ولا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك ، فالله يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه ، الوجه الثاني ـ لما كان الوحي ينزل لترتيب الأمور التي تقتضيها حكمة الوجود ، لذلك قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) يخالف ترتيب حكمة الوجود ، وليس إلا من الله ، فهو في غاية الإحكام والإتقان الذي لا يمكن غيره ، فلا يؤمن بما جاء به هذا الرسول إلا من خاطبه الرسول في سره ، وإن لم يشعر به المخاطب ، ولا يعرف من كلمه ، وإنما يجد التصديق بما جاء به في قلبه. وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بقلوب وآذان وأبصار كلام الرسول بأن هذا جاء من عند الله ، فيؤمنون به على بصيرة.
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (٨٣)
اعلم أن الناس يفضل بعضهم بعضا ، فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني ، وأعلاهم من هو ظل الله وهو الإنسان الكامل نائب الحق ، يكون الحق لسانه وجميع قواه ، وما بين هذين المقامين مراتب. ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولا ، وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثا ، ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول ، إذ الوارث لا يكون وارثا إلا بعد موت من يرثه ، فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة ، والأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع ، فلا يقبله إلا الرسل خاصة على الكمال ، فإذا