الذي رزأه وحال بينه وبين الوصول إلى مهاجره ، فالدية عليه. فإن كان هذا الذي يموت عالما عاقلا فأعظم من لقاء الله ورؤيته فما يكون ، وقد حصل له ذلك بالموت ، فهو أفضل في حقه من أن يعيش حتى يصل ، فإنه لا يدري ما دام في الحياة الدينا ما يتقلب عليه من الأحوال ، فإنّه في محل خطر سريع التبديل. وصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذا الباب ما خرّجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه] ثم يضاف إلى هذه الأجور قدر كرم المعطي وغناه ، وهذا يدخل تحت قوله صلىاللهعليهوسلم : [إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر] يعني من المجزيين. وقد أكد الله تعالى هذا الأجر على غيره ممن له أجر على الله بالوقوع وهو الوجوب ، فإن الأجر قد يقتضيه الكرم من غير وجوب وقد يقتضيه الوجوب ، والذي يقتضيه الوجوب أعلى. والمهاجر من ترك ما أمر الله ورسوله بتركه وبالغ في ترك ذلك لله خالصا من كل شبهة ، عن كرم نفس وطواعية لا عن كره وإكراه ولا رغبة في جزاء ، بل كرم نفس بمقاساة شدائد يلقاها من المنازعين له في ذلك ، ويسمعونه ما يكره من الكلام طبعا ، فيتغير عند سماعه ، ويكون ذلك كله عن اتساع في العلم ، والدؤوب على مثل هذه الصفة ، وتقيده في ذلك كله بالوجوه المشروعة لا بأغراض نفسه ، ويكون به كمال مقامه. فإذا اجتمعت هذه الصفات في الرجل فهو مهاجر ، فإن فاته شيء من هذه الفصول والنعوت فاته من المقام بحسب ما فاته من الحال. وإنما قلنا هذا كله واشترطناه لما سماه الله مهاجرا ، والله بكل شيء عليم ، فكل ما يدخل تحت هذا اللفظ مما ينبغي أن يكون وصفا حسنا للعبد فيسمى به صاحب هجرة اشترطناه في المهاجر ، لانسحاب هذه الحقيقة اللفظية في نفس الوضع على ذلك المعنى الذي اشتق من لفظه هذا الاسم.
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (١٠١)