قال الله لهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً). ولهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه لكونه بيد الكفار ، فالولاية لهم والتحكم في المسلمين ، والمسلمون معهم على أسوأ حال نعوذ بالله من تحكم الأهواء ، فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال الله فيهم (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩)
العفو يجمع بالدلالة بين القليل والكثير ، هكذا هو في أصل وضع اللسان. واتصاف الحضرة الإلهية بالعفو أنها تعطي ما تقتضيه الحاجة ، لا بد من ذلك. من كونه سخيا حكيما ، ثم يزيد في العطاء في كونه منعما مفضلا غير محجور عليه ، ولا تقضي عليه الحاجات بالاقتصار على ما يكون به الاكتفاء. وأما في المؤاخذة على الذنوب فهو عفو بما يعطي من قليل العذاب ، وهو عفو بما يعطي من كثير المغفرة والتجاوز ، ثم يغفر الله ويجود بالإنعام ورفع الآلام.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٠)
الهجرة هي الاغتراب عن الأوطان ، وممن أجره على الله ، المهاجر يموت قبل وصوله إلى المنزل الذي هاجر إليه ، فإن أجره على الله على قدر الباعث الذي بعثه على الهجرة ، والناس في ذلك متفاضلون. ثم إن الله ينوب عن رسوله فيما يعطيه من الأجر ، فإنه خرج مهاجرا إلى الله ورسوله ، ثم إن له أجر الفوت بالموت الذي أدركه وذلك من الله ، فإنه