فقال (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ثم نبه تعالى على طهارة الفم المعنوية بقوله :
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١١٤)
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) ولها مواطن مخصوصه ، وهو أن يأمره في السر لا في الجهر ، فإن الجهر علة لا يشعر بها. لأنه قد يعطيها لغير الله. ثم قال (أَوْ مَعْرُوفٍ) ، وقول المعروف هو القول في موطنه الذي عينه الله ، ويرجو حصول الفائدة به في حق السامع ، فهذا معنى (أَوْ مَعْرُوفٍ). فمن لم يفعل فهو جاهل وإن ادعى العلم. ثم قال (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ، فيعلم أنّ مراد الله التوادد والتحابب فيسعى في ذلك. وإن لم يجعل الكلام في موضعه أدى إلى التقاطع والتنافر والتدابر. ثم بعد هذا كله قال في حق المتكلم «ومن لم يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله» ولا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي الله ، ولا يعلم ما يرضي الله إلا بالعلم بما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله ، فيرى عندما يريد أن ينطق بالأمر هل نطقه به في ذلك الموطن يرضي الله من جميع الوجوه؟ فإن وجد وجها يقدح فيه ، فالكل غير مقبول وغير مرضي عند الله ، فإنه لا يحتمل التجزي ولا الانقسام. واعلم أن من شعب الإيمان قول الخير والصمت عن الشر ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وقال صلىاللهعليهوسلم : من صمت نجا. فصمت اللسان مفردا للعامة يخفف الأوزار ، وصمت القلب مفردا ينتج النطق بالحكمة ، ومن صمت عن شر ، نطق بخير قطعا.
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١١٦)
إذا كان الحق حرّم على نفسه المغفرة للمشرك ، وجبت المؤاخذة في الشرك ولا بدّ.