واعلم أن الله لم يغفر للمشركين ولا لأهل التبعات ، بل ضمن التباعات ، وجعل مغفرتهم موقوفة على رضا المظلومين ، فيصلح بينهم يوم القيامة. جاء في الخبر أن الله تعالى يقول يوم القيامة لأهل الحشر «يا عبادي ما كان بيني وبينكم فقد غفرته لكم فانظروا فيما بينكم فإنّه لا يجاوزني ظلم ظالم». ويظهر في الشرك أنه فيما بينه وبينهم فلماذا أخذ به ولم يغفره؟ فاعلم وفقك الله أن الشرك بالله باب من التباعات وظلم الغير ولهذا أخذ الله به ، فإن التباعات على ضروب في الدماء والأموال والأعراض ، والشرك من باب تباعات الأعراض ، وهو من باب الفرية ، وأن يقال في الشيء ما ليس فيه ، وهو البهتان. وليس الشرك من الأمور التي بين الله وبين العبد. وهو من أكبر الكبائر. فإذا كان يوم القيامة وحشر الناس في صعيد واحد وضج المظلومون عند معاينة ما لا طاقة لهم بحمله من الأهوال ؛ ضجت الأصناف الذين اتخذوا آلهة من دون الله من حجر وشجر وحيوان وإنسان وكوكب وروحاني وقالوا : يا ربنا خذ لنا حقنا ممن افترى علينا ، ونسب إلينا ما ليس فينا وقال : إنا آلهة فعبدونا ، ونحن لا نضر ولا ننفع ، وليس لنا من الأمر شيء ، فخذ لنا حقنا. وهنا يقع تفصيل ، فأمّا كل من عبد من دون الله من حجر وشجر وإنسان مشرك أشرك نفسه مع الله وحيوان وروحاني مشرك أيضا ، فإنهم يدخلون مع الذين عبدوهم في نار جهنم ليكون أنكى لهم إذا عاينوهم ؛ ومن كان ارتضى منهم ما ينسب إليه كفرعون وغيره ، فهو مشارك لهم في عذابهم. ومثل الأحجار والأشجار ، فلم تدخل للعذاب ، ولكن دخلت لنكايتهم أن تكون معهم آلهتهم كما قال الله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ). ويقول المشركون هناك (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ). وقال تعالى (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وهم المشركون ، وهم الأصنام المعبودون من دون الله ، ونفى الأصناف الذين سبقت لهم الحسنى وكانوا عن النار مبعدين ، وهم الذين اتخذوا مثلة على صورتهم عبدوها كالصليب للنصارى والصور التي يصورونها للمشركين التي صنعوها على صورة هذا المعصوم السعيد كائنا من كان ؛ فتلك الأمثال تدخل معهم النار ، وهذا ينكيهم جدا. ووجه آخر من نكاية الله لهم : إن لأهل الجنة اطلاعا على أهل النار يعاين هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء ، فيزيد نعيم هؤلاء ويزيد عذاب هؤلاء ؛ يقول الله تعالى (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَ