المؤمن بالله لا يقال له : آمن بالله فإنه به مؤمن ، وإن احتمل أن يؤمن به لقول هذا الرسول الخاص على طريق القربة ، ولكن التحقيق في ذلك ما ذهبنا إليه ولا سيما والحق قد أطلق اسم الإيمان على من آمن بالباطل ، واسم الكفر على من كفر بالطاغوت ـ الوجه الثالث ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يريد أهل الكتاب حيث قالوا ما قالوه لأمر نبيهم عيسى أو موسى أو من كان من أهل الإيمان بذلك من الكتب المتقدمة ، ولهذا قال لهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال لهم (آمَنُوا) بأنبيائي ، قولوا لا إله إلا الله لقول محمد صلىاللهعليهوسلم لا لعلمكم بذلك ولا لإيمانكم بنبيكم الأول ، فتجمعوا بين الإيمانين فيكون لكم أجران. ومن هنا يعلم الفرق بين العلم بالشيء وبين الإيمان به ، وأنّ السعادة في الإيمان وهو أن تقول ما تعلمه ، وما قلته لقول رسولك الأول لقول هذا الرسول الثاني الذي هو محمد صلىاللهعليهوسلم لا لعلمك ولا للقول الأول ، فحينئذ يشهد لك بالإيمان ومآلك السعادة ، وإذا قلت ذلك لا لقوله ، وأظهرت أنك قلت ذلك لقوله ، كنت منافقا ، فما اختبر الله العالم إلا ليعلم ما هو به عالم فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) : هذا ذلك من وجه ، فهذا مؤمن كلف أن يؤمن بما هو به مؤمن. لذلك قال (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، ولا يؤمن بالرسول إلا ما خاطبه الحق في سرّه ، وإن لم يشعر به المخاطب ولا يعرف ، ولكن يجد التصديق به في قلبه. فلولا تجلي الحق لقلب المؤمن وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بالرسول ولا صدّق. وكذلك في إيمان المؤمن بما جاء به الرسول وهو قوله (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) ، لولا تجلي الرسول بقلبه وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بما جاء به ولا صدق وإن لم يشعر المؤمن ولا يدري كيف آمن ، فما كل مؤمن يعرف من أين حصل له الإيمان ـ الوجه الرابع ـ لما كان التأيه والنداء مؤذنا بالبعد عن الحالة التي يدعو إليها من يناديه من أجلها فيقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) فلبعدهم مما أيه بهم أن يؤمنوا به ، لذلك أيه بهم ، فإن كانوا موصوفين في الحال بما دعاهم إليه فيتعلق البعد بالزمان المستقبل في حقهم ، أي اثبتوا على حالكم الذي ارتضاه الدين لكم في المستقبل كما قال يعقوب لبنيه (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في حال حياته ، فأمرهم بالإسلام في المستقبل أي بالثبوت عليه ، والاستقبال بعيد عن زمان الحال ، فيكون التأيه أيضا بما هو موجود في الحال أن يكون باقيا في المستقبل. واعلم أن النداء الإلهي يعمّ المؤمن والكافر والطائع والعاصي والأرواح والروحانيين ، فمن أجاب سمي مطيعا وكان سعيدا ، وإن لم