ألقيت إليها إلا عين عيسى روح الله وكلمته وهو عبده ، فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية ، فكان نطقه كلام الله في نفس الرحمن ، فنفّس الله عن أمه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها الله منه : (وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو النفس الذي كانت به حياته ، وسمّي عيسى عليهالسلام بروح الله لأن جبريل عليهالسلام وهو روح القدس هو الذي وهبه لأمه : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) الأحدية أشرف صفة الواحد من جميع الصفات وهي سارية في كل موجود ؛ ولولا أنها سارية في كل موجود ما صح أن تعرف أحدية الحق سبحانه ؛ فما طلب الحق من عباده إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) كما قال تعالى لم يلد ، وقال سبحانه أن يكون له ولد ؛ فليس الحق بأب لأحد من خلق الله ولا أحد من خلقه يكون له ولد سبحانه وتعالى. فكما قال تعالى في عيسى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) ، فما شيء من الوجود إلا منه. قال تعالى : «وسخر لكم ما في السماوات والأرض» جميعا منه (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢)
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) لكونه يحيي الموتى ويخلق ويبرئ (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) ، ثم عطف فقال : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) وهم العالون عن العالم العنصري المولد ، فهم أعلى نشأة ، والإنسان أجمع نشأة ؛ فإن فيه الملك وغيره فله فضيلة الجمع ، ولهذا جعله معلم الملائكة وأسجدهم له.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤)