لأنهم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين فكأن الله حكى لنبيه صلىاللهعليهوسلم وعرفه بأن حالهم ما ذكروه عن نفوسهم ، فهذه ظلمة قد تكون ظلمة جهل ، وقد تكون ظلمة جحد لهوى قام بهم ، وهو أشد الظلم.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٧)
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) بخاتم الكفر فلا يدخله الإيمان مع علمهم به ، (وَعَلى سَمْعِهِمْ) أي ختم على سمع فهمهم فهم الجهلاء ، لا يعلمون ما أراد الله بما قاله (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وعلى أبصار عقولهم غشاوة ، حيث نسبوا ما رأوه من الآيات إلى
____________________________________
الآية ، يقول : بكل ما تقدم ذكره ، الكافر هو الساتر للحق ، والساترون الحق على قسمين : قسم يسترون الحق مع معرفتهم بأنه الحق ، فلا يتمكن أن يستروه عن نفوسهم ، بل يستروه عن الغير بما يوردونه من الشبه المضلة والتشكيكات الصارفة عن ظهوره ، وهو قوله تعالى (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) وقوله (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) فهؤلاء جاحدون ، والقسم الآخر هو الذي ستر الحق عن نفسه بما ظهر له من الشبه ، فقامت له سترا بينه وبين الحق ، فيسمى أيضا هذا كافرا لأنه ما وفّى النظر حقه في الأدلة ، فالأول معاند ، والثاني مفرّط ، قال الله لنبيه عليهالسلام (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) ولم يقل عليك (أَأَنْذَرْتَهُمْ) يقول : خوفتهم وأعلمتهم بأسباب السعادة والشقاء (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) يقول : أو سكت عنهم (لا يُؤْمِنُونَ) يقول : لا يصدقون ، إما عنادا وجحدا ، وإما جهالة ، والأظهر هنا إرادة القسم الواحد وهم الجاهلون ، من أجل ما يأتي بعد من ذكر القلوب ، فالمعاند عالم ومصدق في الباطن ، غير مظهر لما هو به مصدق ، فإنه لا يقدر في نفسه أن ينكر علمه بالشيء ، ولا أن يجعله جهلا ، فهؤلاء أيضا هم الذين جعل الله جزاءهم عدم المغفرة في قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ولم يقل عليك فإنه ليس عليه صلىاللهعليهوسلم سواء ، وهم سواء دعاؤه إياهم أو سكوته عنهم ، ما يتغير عليهم الحال في نفوسهم ، وهذا يؤيد أن المراد بالذين كفروا هنا من جهل لا من عاند مع علمه (لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بما أعلمتهم ، والتصديق حالة قلبية. قوله (٨) (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية ، العالم بالشيء ما ختم على قلبه ، لكن الجاهل بالشيء مختوم على قلبه ، قوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وما ذكر الطبع هنا ، بل ذكره في موضع آخر ، قال تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) والطبع النقش الذي يكون في الختم ، والختم هو القفل. فقال