(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥)
(عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على بيان وتوفيق حيث صدقوا ربهم فيما أخبرهم به مما هو غيب في حقهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الناجون من عذاب الله الباقون في رحمة الله ، فإن الفلاح هو البقاء ، والآخرة هي دار البقاء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦)
____________________________________
كما آمنتم به من حيث أخبركم به موسى وعيسى ، قال تعالى (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ) فالضمير يعود عليهم بأنه نبي مبعوث إليهم أيضا في كتبهم ، فمن إيمانهم بكتبهم إيمانهم به صلىاللهعليهوسلم ، وما من آية إلا ولنزولها سبب ، ولكن ليس المقصود معرفة السبب إلا إذا كان مقصورا على السبب ، فيتعين عند ذلك ذكر السبب ، وكون المنزل مقصورا عليه ، فلذلك لا نتعرض في هذا التفسير لأسباب النزول في أكثره. (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) من يقن الماء في الحفرة إذا استقر فيها ، فلما استقر الإيمان بالغيب وبما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة ، سماهم موقنين ، فأخبر عنهم بفعل الحال ، وإلى هنا انتهت جملة المبتدأ إذا كان (الَّذِينَ) مبتدأ ، وقوله (بِالْآخِرَةِ) لما قال (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وذكر ما كان قبله ، قال (وَبِالْآخِرَةِ) وهو ما يكون بعد مما لم يكن ، وهو من وقته إلى قيام الساعة ، إلى دخول الجنة والنار ، إلى الخلود فيها ، إلى ما لا يتناهى ولا ينقطع ، مما وردت به الأخبار الإلهية ، قوله (٦) (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أولاء حرف إشارة يشار به إلى المتقين ، لقوله (فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) فهو قوله (أُولئِكَ) يعني المتقين على هدى من ربهم في توقيهم الداعي لهم إلى البحث عن طريق نجاتهم حتى يتبين ، فهم على هدى من ربهم في ذلك (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وهو الهدى ، والرب هنا بمعنى المصلح ، وهو الأوجه من سائر مدلولاته ، والمربي أيضا ، وقوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حرف إشارة يشار به أيضا إلى المتقين وإلى الذين يؤمنون ، سواء كان نعتا أو مبتدأ ، وفيه بشرى ونوع تقوية لمن يقول إن المجتهد مأجور وإن أخطأ ، وإن الاجتهاد في الأصول كما هو في الفروع ، والمفلحون : معناه الناجون من عذاب الله ، الباقون في دار كرامة الله ، قال تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) وفي هذه الآيات من أول السورة إلى هنا تكذيب لقول من قال : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) فكذبهم في التحجير. قوله (٧) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)