(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤)
حكم اليقين سكون النفس بالمتيقن أو حركتها إلى المتيقن ، وهو ما يكون الإنسان فيه على بصيرة أي شيء كان ، فإذا كان حكم المتيقن من النفس حكم الحاصل فذلك اليقين ، سواء حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت.
____________________________________
وهو الأظهر ، فإنه جاء هذا المدح للذين يؤمنون بالغيب ، وقد نقول إن المؤمن إذا عصى بكسب المال الحرام فله التصرف فيه ، والتصرف فيه رده إلى من غصبه ، أو إلى ذريته أو إلى بيت المال ، وإن لم يوجد شيء من هذا كله تصدق به عن صاحبه ، فتعمه هذه الآية ، وأتى بلفظ (يُنْفِقُونَ) من نفقت الدابة إذا هلكت ، وقد ورد في الصحيح فيمن آتاه الله مالا ، فسلّطه الله على هلكته في الله ، فهو يخرجه هكذا وهكذا ، وقوله (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) ولم يقل (من أموالهم) فأضاف الرزق إليه لقوله (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فهم فيما في أيديهم وكلاء لله تعالى في التصريف فيه على حد ما شرعه الموكل ، كالسلطان على بيت المال ، فأجرهم في ذلك أجر الوكيل الموفي حق مرتبة الوكالة ، فلنفقته وإنفاقه وجهان ، وجه من حيث أنه المباشر بالعطاء ، ووجه أنه معط ما هو موكّل فيه ، ليس هو ماله ، من النافقاء وهو الجحر الذي له بابان ، قال تعالى (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) واختلف الناس في مسمى الرزق ، هل يسمى الحرام رزقا أم لا؟ فمن جعله رزقا لمن هو بيده كان المدح بصفة الكرم ، ومن منع ذلك كان المدح أيضا بصفة الكرم ، والمدح بالوقوف عند ما حد له رب المال ، قوله : (٥) (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يقول : والذين يصدقون بما أنزل إليك ، وهو ما أوحي به إليه من القرآن ، وقوله (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) فرأيه شرع ، وأن الله أراه ذلك ، فالمؤمنون يؤمنون بذلك كله ، وقوله (ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني من الكتب والصحف والشرائع المنزلة ، ولا يلزم من الإيمان بالشيء العمل به ، إلا حتى يكون فيما أنزل العمل بما أنزل أو ببعض ما أنزل ، فالتصديق يعم ، قال تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ، كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) فآمنا بما أنزل من قبلنا من حيث ما أنزل على نبينا ، لا من حيث ما نقل إلينا ، وقد يدخل في هذه الآية من أسلم من أهل الكتب ، وهو قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) بما أخبركم به محمد صلىاللهعليهوسلم ،