(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥)
فأخبر الله تعالى أنه يستهزئ بهم بذلك الفعل الذي يفعلونه مع المؤمنين ، وهم لا يشعرون ، فهذا من مكر الله بهم ، فما أخذهم بقولهم (إِنَّا مَعَكُمْ) وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق وهو قولهم : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وما عرفك الله بالجزاء الذي جازى به المنافق إلا لتعلم من أين أخذ من أخذ ، حتى تكون أنت تجتنب موارد الهلاك (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) حيث تمادوا على غيهم بعد ما عرفوا من بيده الاقتدار ، وعدلوا عنه ، وعملوا
____________________________________
كرها ، لظهور أهل الإيمان بالسيف عليهم (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) إلى هنا بمعنى مع ، يقول : وإذا خلوا مع شياطينهم من الإنس الباقين على كفرهم ، أو خلا بعضهم مع بعض يقولون ذلك ، فإنهم كلهم شياطين قال تعالى (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) وهو قدحهم في أهل الإيمان من حيث إيمانهم ، وتزيين ما هم عليه من الباطل ، قال تعالى في اليهود والنصارى (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي ينصر بعضهم بعضا (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي على الذي أنتم عليه ، ما غيّرنا ولا بدلنا (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بهم وتقيّة لما ينجر في ذلك إلينا من المصالح في أنفسنا وأموالنا وذرارينا ، يقولون : نسخر بهم ، فقال الله تعالى (١٦) (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي يسخر بهم ، وذلك على وجهين : الوجه الواحد أن استهزاءهم بالمؤمنين هو عين استهزاء الله تعالى بهم من حيث لا يشعرون ، ومنه (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أن عين ما اعتقدوه أنه مكرهم هو مكري بهم ، ومن هذا الباب (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) وقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) ، والوجه الآخر ينقسم إلى وجهين : وجه يقتضيه العدل فيكون جزاء ، ووجه يقتضيه الاستهزاء ، جزاء أيضا في عمل واحد ، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة وهو قوله تعالى (كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فخلصه للاستقبال ، وهو يوم القيامة ، يحشر الله هذه الأمة وفيها منافقوها ، فإذا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد ، ودخلت الأمم النار ، ونصب الصراط على جسر جهنم ، أتي بهؤلاء المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وصلوا وصاموا وقاموا بفروع الشريعة في الصورة الظاهرة كما قام المؤمنون ، أتى بهم الله تعالى حتى [انفهقت] (*) لهم الجنة بما تحويه من الخير والسرور ، فتنعموا برؤيتها
__________________
(*) [...] جاءت في الأصل وفي الفتوحات المكية في الباب الأخير ، باب الوصايا ، الوصية رقم ٥٨ (انفقهت) والصواب (انفهقت).