(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢)
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه أوجد الأسباب ، وأوجدكم عندها لا بها ، فإن الله وضع الأسباب وجعلها له كالحجّاب ، فهي توصل إليه تعالى كل من علمها حجّابا ، وهي تصد عنه كل
____________________________________
قوله (رِزْقاً لَكُمْ) كلها من باب تقرير النعم التي أنعم بها على عباده ، فكأن (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صار مقحما ، وإن لم يسم مثل هذا مقحما ، ولكنه في المعنى كذلك ، وربما لا يعرف إنزال هذه اللفظة في هذا الموضع وفصلها بين المناسبين إلا من يعرف إعجاز القرآن ، وأما حرف الترجي في هذه التقوى مع علمه بما يكون منهم ، فمثل قوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) وهو عالم بما يكون منهم ، وغلّب المخاطب على الغائب في (لَعَلَّكُمْ) لأنه المقصود بالخطاب ، وهو الأوجه من طريق المعنى ، لأن الله هو المخاطب ولا يغيب شيء عن الله ، فينسحب هذا الخطاب على جميع المخلوقات من مضى ، ومن هو الآن ، ومن يكون ، وبلا شك أن من يكون مخاطب بهذه الآية وهو الآن لم يكن ، ولكن ما جاء فيه بضمير الغائب ، وكذلك من قبلنا ، والكلام قديم ، والسامع محدث ، والمتكلم به كذلك ، قال تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) والذي جاءهم إنما هو المتكلم به. ثم قال (٢٣) (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) خص ذكر الفراش على المهاد والقرار والبساط للتوالد الذي يذكره فيما بعد ، من إخراج الثمرات بإنزال الماء من السماء في الأرض ، وذكر السماء بلفظة البناء للابتناء ، فجعله شبيها بالنكاح فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) فعلى السماء على الأرض وهي مفترشة قابلة ، فأنزل فيها الماء فاهتزت وتحركت وربت ، حملت شبه حمل المرأة (فَأَخْرَجَ بِهِ) أي بسبب هذا النكاح (مِنَ الثَّمَراتِ) الألف واللام لاستغراق الجنس (رِزْقاً لَكُمْ) ما تغتذون به (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ) الذي خلق هذه الأشياء كلها (أَنْداداً) آلهة تعبدونها ، مخلوقة تنحتونها بأيديكم ، أو تتخذون الكواكب وغيرها آلهة مع الله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنهم لا يخلقون شيئا وأن الله هو خالقهم وخالق كل شيء ، والند المثل المخالف المناوي ، وهذا لا يتصور إلا فيمن يدّعي الألوهية ، كفرعون وغيره من الجبابرة ، لا في كل من يدّعى فيه الألوهية ، وهو والله أعلم من ندّ أي شرد ، فإنه شرد من موطن العبودة التي هي حقيقته إلى الربوبية التي ليس له منها وصف ، ولا له فيها قدم ، فلهذا سمي ندا ، فكأنه يقول لهم : من ندّ وادعى لكم أنه إله ، فلا تجعلوه لي ندا ، أي مثلا ، قال عليه