بمعنى اعتدل ـ السادس : بمعنى علا ـ قال الشاعر :
ولما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
قال الحسن بن سهل : إذا علم أصل الوضع وتصاريف الاستعمال فنزل على ذلك الاستواء المنسوب إلى ربه سبحانه وتعالى ، وقد فسره الهروي بالقصد ، وفسره ابن عرفة بالإقبال كما نقل عن الفراء ، وفسره بعضهم بالاستيلاء ، وأنكره ابن الأعرابي وقال : العرب لا تقول استولى إلا لمن له تضادد ، وفيما قاله نظر لأن الاستيلاء من الولي وهو القرب أو من الولاية وكلاهما لا يفتقر إطلاقه بالمضادد ، ونقل الحسن بن سهل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قال : علا أمره ، وهذه التفاسير كلها ومنه قوله تعالى (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) وقوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) الآية فلا يليق نسبة مثله إلى استواء ربنا تعالى على العرش ، مع أنا نقول قد علمت أصل اشتقاق الاستواء ولا مدخل فيه لمعنى الاستقرار ، وإنما الحق أن معنى استوى على الدابة جاء على الأصل ، ويكون معناه اعتدل ، أو علا عليها ، والاستقرار لازم ذلك بحسب خصوصية المحل ، لا أن للاستقرار مدخلا في معنى اللفظ مطلقا ، وحينئذ فلا يصح نسبة مثله إليه تعالى لاستحالته في حقه ، وعدم وضع اللفظ له ، وقد ثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف استوى؟ فقال : كيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فقوله كيف غير معقول ، أي : كيف من صفات الحوادث وكلما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ، فيجزم على نفيه عن الله تعالى ، وقوله : والاستواء غير مجهول ، أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ، : والإيمان به على الوجه الأليق به تعالى واجب ، لأنه من الإيمان بالله تعالى وبكتبه ، : والسؤال عنه بدعة : أي حادث لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا عالمين بمعناه الأليق بحسب اللغة ، فلم يحتاجوا للسؤال عنه ، فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ، ولا له نور كنورهم ، يهديه لصفات ربهم ، شرع يسأل عن ذلك ، فكان سؤاله سببا لاشتباهه
____________________________________
فدارت بكواكبها ، ففتق الأرض بما أخرج فيها ومنها من معدن ونبات وحيوان ، فكان إيجادا عند دوران الأفلاك بعد تقدير ، وجعل سبحانه هذا الخلق كله من أجلنا ، فأية نعمة أو أية عناية أعظم