عن أحد من هؤلاء أوّلا ، ويصرفهم في المواطن التي عين له الحق ، وجعل هذه القوى كلها متوجهة على هذه النفس الناطقة بطلب حقوقها ، وجعلها كلها ناطقة بتسبيح الله تعالى جعلا ذاتيا لا تنفك عنه ، وجعل هذه الحقوق التي توجهت لها على النفس الناطقة الحاكمة على الجماعة ثابتة الحق جزاء لما هي عليه من تسبيح الله بحمده دنيا وآخرة ، فالعارف المكمّل المعرفة يعلم أن فيه من يطلب مشاهدة ربه ومعرفته الفكرية والشهودية ، فتعين عليه أن يؤدي إليهم حقهم من ذلك ، وعلم أن فيه من يطلب المأكل الشهي الذي يلائم مزاجه ، والمشرب والمنكح والمركب والملبس والسماع والنعيم الحسي المحسوس ، فتعين عليه أيضا أن يؤدي إليهم حقوقهم من ذلك الذي عين لهم الحق ، ومن كان هذا حاله كيف يصح له أن يزهد في شيء من الموجودات؟ وما خلقها الله إلا له. إلا أنه مفتقر إلى علم ما هو له وما هو لغيره لئلا يقول كل شيء هو له ، فلا ينظر من الوجوه الحسان إلا ما يعلم أنه له ، وما يعلم أنه لغيره يكف بصره ويغضه عنه ، فإنه محجور عليه ما هو لغيره ، فهذا حظه من الورع والاجتناب ، والزهد إنما متعلقة الأولوية بخلاف الورع وكل ترك ، فأما الأولوية فينظر في الموطن يعمل بمقتضاه ، ومقتضاه قد عينه له الحق بما أعلمه به بلسان الشرع ، فسموا من طريق الأخذ بالأولوية زهادا ، حيث أخذوا بها ، فإن لهم تناول ذلك في الحياة الدنيا فما فعلوا ، لأن الله خيرهم فما أوجبه عليهم ولا ندبهم إليه ولا حجر عليهم ولا كرهه فاعلم ذلك ، ثم إنه ينظر في هذا المخير فيه فلا يخلو حاله في تناوله أن يحول بينه هذا التناول وبين المقام الأعلى الذي رجحه له أو لا يحول ، فإن حال بينه وبينه تعين عليه بحكم العقل الصحيح السليم تركه والزهد فيه ، وإن كان على بينة من ربه أن ذلك لا يقدح ، ولا يحول بينه وبين الرتبة العليا من ذلك فلا فائده لتركه ، كما قال لنبيه سليمان عليهالسلام : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ولا تكون ممن تلتبس عليه الأمور فيتخيل أنه بزهده فيما هو حق لشخص ما من رعيته ، ينال حظ ما يطلبه به منه شخص آخر من رعيته ، فإن
____________________________________
أَحْسَنُ عَمَلاً) وقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) فقال تعالى (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي بما خلق ، وبما لأجله خلق ، وبما يكون ممن خلق ، وقال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فهو قوله (خَلَقَ لَكُمْ) أي من أجلكم ، وجعل ذلك آيات لقوم يتفكرون ليعلموا ما مراد