والأمر ليس كذلك ، ولم يكن يتميز الإنسان الكبير الشريف بما يكون عليه من العلم والخلق على غيره من الأناسي ويجمعهما الحد الذاتي ، فدل أن شرف الإنسان بأمر عارض يسمى المنزلة أو المرتبة ، فالمنزلة هي الشريفة ، والشخص الموصوف بها نال الشرف بحكم التبعية ، كمرتبة الرسالة والنبوة والخلافة والسلطنة ، فما علم شرف الإنسان إلا بما أعطاه الله من العلم والخلافة ، فليس لمخلوق شرف من ذاته على غيره إلا بتشريف الله إياه. وأرفع المنازل عند الله أن يحفظ الله على عبده مشاهدة عبوديته دائما ، سواء خلع عليه من الخلع الربانية شيئا أو لم يخلع ، فهذه أشرف منزلة تعطى لعبد ، وهو قوله تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) وقوله سبحانه : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) فقرن معه تنزيهه ، فليس لصنعة شرف أعلى من إضافتها إلى صانعها ، ولهذا لم يكن لمخلوق شرف إلا بالوجه الخاص الذي له من الحق ، لا من جهة سببه المخلوق مثله ، وفي هذا الشرف يستوي أول موجود ـ وهو القلم أو العقل أو ما سميته ـ وأدنى الموجودات مرتبة ، فإن النسبة واحدة في الإيجاد ، والحقيقة واحدة في الجميع من الإمكان ، فآخر صورة ظهر فيها الإنسان الصورة الآدمية ، وليس وراءها صورة أنزل منها ، وبها يكون في النار من شقي لأنها نشأة تركيب تقبل الآلام والعلل ، وأما أهل السعادة فينشؤون نشأة وتركيبا لا يقبل ألما ولا مرضا ولا خبثا ، ولهذا لا يهرم أهل الجنة ولا يتمخطون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يسقمون ولا يجوعون ولا يعطشون ، وأهل النار على النقيض منهم ، وهي نشأة الدنيا وتركيبها فهي أدنى صورة قبلها الإنسان وقد أتت عليه أزمنة ودهور قبل أن يظهر في هذه الصورة الآدمية ، وهو في الصورة التي له في كل مقام وحضرة من فلك وسماء وغير ذلك مما تمر عليه الأزمان والدهور ، ولم يكن قط في صورة من تلك الصور مذكورا بهذه الصورة الآدمية العنصرية ، ولهذا ما
____________________________________
الخلق إليه من سائر الأمم في فتح باب الشفاعة ، وبان فضله على سائر الأنبياء والرسل ، فعلم هنالك عظم منزلته عند ربه ، كما تظهر عزة كل مقرب عند سلطان عند ظهور سلطانه ودولته ، فأخبر سبحانه نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بما كان بينه جل علاه وبين ملائكته في حق آدم صلىاللهعليهوسلم ، فمن جعل لفظة الملائكة بمعنى الرسل كان صفة ، فدخل فيهم إبليس ، ومن جعله اسما لهم من حيث نشأتهم وإن كانوا سموا به لاستتارهم ، لم يدخل إبليس في هذا الخطاب ، وقد يكون الخطاب عاما لهم ولغيرهم من المخلوقين في ذلك الوقت ، وخصوا الملائكة بالذكر اعتناء بهم وتهمما وتشريفا ، فيدخل إبليس