الجليلة ، ولهذا قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٥).
[٢٦ ـ ٢٧] أي : كل من على الأرض ، من إنس وجن ، ودواب ، وسائر المخلوقات ، يفنى ويبيد ، ويبقى الحي الذي لا يموت (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ، أي : ذو العظمة والكبرياء والمجد الذي يعظم ويبجل ، ويجل لأجله ، والإكرام الذي هو سعة الفضل والجود الذي يكرم أولياءه ، وخواص خلقه بأنواع الإكرام الذي يكرمه أولياؤه ويجلونه ، ويعظمونه ويحبونه ، وينيبون إليه ويعبدونه. [٢٨] (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٨).
[٢٩ ـ ٣٠] أي : هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته ، وهو واسع الجود والكرم ، فكل الخلق مفتقرون إليه ، يسألونه جميع حوائجهم ، مجالهم ومقالهم ، ولا يستغنون عنه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك. وهو تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يغني فقيرا ، ويجبر كسيرا ، ويعطي قوما ، ويمنع آخرين ، ويميت ويحيي ، ويخفض ويرفع ، لا يشغله شأن عن شأن ، ولا تغلطه المسائل ، ولا يبرمه إلحاح الملحين ، ولا طول مسألة السائلين. فسبحان الكريم الوهاب ، الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات ، وعمّ لطفه جميع الخلق في كلّ الآنات واللحظات ، وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين ، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه. وهذه الشؤون الّتي أخبر أنه كلّ يوم هو في شأن ، هي تقاديره وتدابيره الّتي قدرها في الأزل وقضاها ، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها ، الّتي اقتضتها حكمته ، وهي أحكامه الدينية الّتي هي الأمر والنهي ، والقدرية الّتي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى إذا تمت هذه الخليقة وأفناهم الله تعالى ، وأراد أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء ، ويريهم من عدله وفضله ، وكثرة إحسانه ، ما به يعرفونه ، ويوحدونه ، نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان ، إلى دار الحيوان.
[٣١ ـ ٣٢] وفرغ حينئذ لتنفيذ هذه الأحكام ، الّتي جاء وقتها ، وهو المراد بقوله : (سَنَفْرُغُ) ، إلى : (تُكَذِّبانِ). أي : سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم الّتي عملتموها في دار الدنيا.
[٣٣ ـ ٣٤] أي : إذا جمعهم الله في موقف القيامة ، أخبرهم بعجزهم وضعفهم ، وكمال سلطانه ، ونفوذ مشيئته وقدرته ، فقال معجزا لهم : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : تجدون مسلكا ومنفذا ، تخرجون به عن ملك الله وسلطانه. (فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) ، أي : لا تخرجون منه إلا بقوة ، وتسلط منكم ، وكمال قدرة ، وأنّى لهم ذلك ، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا؟ ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه ، ولا تسمع إلا همسا ، وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك ، والرؤساء والمرءوسون ، والأغنياء والفقراء.
[٣٥ ـ ٣٦] ثمّ ذكر ما أعد لهم في ذلك اليوم ، فقال : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) إلى : (تُكَذِّبانِ). أي : يرسل عليكما لهب صاف من النار ، ونحاس ، وهو : اللهب الذي قد خالطه الدخان ، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما ، ويحيطان بكما ، فلا تنتصران ، لا بناصر ، من أنفسكم ، ولا بأحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه