الّذين طهرهم الله تعالى من الآفات ، والذنوب ، والعيوب. وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون ، وأن أهل الخبث والشياطين ، لا استطاعة لهم ، ولا يدان إلى مسه ، دلت الآية ـ تنبيها ـ على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر.
[٨٠] (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٠) ، أي : إن هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة ، هو تنزيل رب العالمين ، الذي يربي عباده ، بنعمه الدينية والدنيوية. وأجل تربية ربى بها عباده ، إنزاله هذا القرآن ، الذي قد اشتمل على مصالح الدارين ، ورحم الله به العباد رحمة ، لا يقدرون لها شكورا.
[٨١] ومما يجب عليهم أن يقوموا به ويعلنوه ، ويدعوا إليه ويصدعوا به ، ولهذا قال : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) (٨١) ، أي : أفبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) ، أي : تختفون ، وتدلون خوفا من الخلق وعارهم وألسنتهم؟ هذا لا ينبغي ولا يليق ، إنما يليق أن يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه. وأما القرآن الكريم فهو الحقّ الذي لا يغالب به مغالب ، إلا غلب ، ولا يصول به صائل إلا كان العالي على غيره ، وهو الذي لا يداهن به ويختفى ، بل يصدع به ويعلن.
[٨٢] وقوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢) ، أي : تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق بالتكذيب والكفر لنعمة الله ، فتقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها. فهلا شكرتم الله على إحسانه ، إذ أنزله إليكم ، ليزيدكم من فضله ، فإن التكذيب والكفر ، داع لرفع النعم ، وحلول النقم.
[٨٣ ـ ٨٥] (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (٨٥) ، أي : فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم ، وأنتم تنظرون المحتضر في هذه الحالة. والحال أنا نحن أقرب إليه منكم ، بعلمنا وملائكتنا ، ولكن لا تبصرون.
[٨٦] (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) (٨٦) ، أي : فهلا إذ كنتم تزعمون ، أنكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجزيين (تَرْجِعُونَها) ، أي : إلى بدنها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وأنتم تقرون أنكم عاجزون عن ردها إلى موضعها. فحينئذ إما أن تقروا بالحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإما أن تعاندوا فتعلم حالكم وسوء مآلكم.
[٨٨] ذكر الله تعالى أحوال الطوائف الثلاث : المقربين ، وأصحاب اليمين ، والمكذبين الضالين في أول السورة في دار القرار. ثمّ ذكر أحوالهم في آخرها ، عند الاحتضار والموت ، فقال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٨٨) ، أي : إن كان الميت من المقربين إلى الله ، المتقربين إليه بأداء الواجبات والمستحبات ، وترك المحرمات والمكروهات ، وفضول المباحات.
[٨٩] فلهم روح ، أي : راحة وطمأنينة ، وسرور وبهجة ، ونعيم القلب والروح. (وَرَيْحانٌ) وهو أسم جامع لكل لذة بدنية ، من أنواع المآكل والمشارب وغيرها ، وقيل : الريحان هو : الطيب المعروف ، فيكون من باب التعبير بنوع الشيء عن جنسه العام. (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) جامعة للأمرين كليهما ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة ، الّتي تكاد تطير منها الأرواح ، فرحا وسرورا. كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما