القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح. فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. فالذين جمعوا هذه الأمور (هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ، أي : الّذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ، ودون مرتبة الأنبياء. وقوله : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) كما ورد في الحديث الصحيح : «إن في الجنة مائة درجة ، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله». وهذا يقتضي شدة علوها ورفعتهم ، وقربهم من الله تعالى. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق : المتصدقين ، والصديقين والشهداء ، وأصحاب الجحيم. فالمتصدقون هم الّذين جلّ عملهم الإحسان إلى الخلق ، وبذل النفع لهم بغاية ما يمكنهم خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله. والصديقون هم الّذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح ، والعلم النافع ، واليقين الصادق. والشهداء هم الّذين قاتلوا في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم فقتلوا. وأصحاب الجحيم هم الكفار الّذين كذبوا بآيات الله. وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر ، وهم المقتصدون الّذين أدوا الواجبات ، وتركوا المحرمات ، إلا أنهم حصل منهم بعض التقصير بحقوق الله وحقوق عباده ، فهؤلاء مآلهم الجنة ، وإن حصل لبعضهم عقوبة ببعض ما فعل.
[٢٠] يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا ، وما هي عليه ، ويبين غايتها ، وغاية أهلها ، بأنها (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) تلعب بها الأبدان ، وتلهو بها القلوب ، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا ، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات عمرهم بلهو قلوبهم ، وغفلتهم عن ذكر الله ، وعما أمامهم من الوعد والوعيد ، تراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا. بخلاف أهل اليقظة وعمّال الآخرة ، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله ، ومعرفته ومحبته ، وقد شغلوا أوقاتهم بالأعمال الّتي تقربهم إلى الله ، من النفع القاصر والمتعدي. وقوله : (وَزِينَةٌ) ، أي : تزيّن في اللباس والطعام ، والشراب والمراكب ، والدور والقصور ، والجاه وغير ذلك. (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) ، أي : كل واحد من أهلها ، يريد مفاخرة الآخر ، وأن يكون هو الغالب في أمورها ، والذي له الشهرة في أحوالها. (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) ، أي : كلّ يريد أن يكون هو الكاثر لغيره ، في المال والولد ، وهذا مصداقه ، وقوعه من محبّي الدنيا ، والمطمئنين إليها. بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها ، فجعلها معبرا ، ولم يجعلها مستقرا ، فنافس فيما يقربه إلى الله ، واتخذ الوسائل الّتي توصله إلى دار كرامته ، وإذا رأى من يكاثره ، وينافسه في الأموال والأولاد ، نافسه بالأعمال الصالحة. ثمّ ضرب للدنيا مثلا ، بغيث نزل على الأرض ، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ، وأعجب نباته الكفار ، الّذين قصروا نظرهم وهممهم على الدنيا ، جاءها من أمر الله ، ما أتلفها ، فهاجت ويبست ، وعادت إلى حالها الأولى ، كأنه لم ينبت فيها خضراء ، ولا رؤي لها مرأى أنيق. كذلك الدنيا ، بينما هي زاهية لصاحبها ، زاهرة ، مهما أراد من مطالبها حصل ، ومهما توجه لأمر من أمورها وجد أبوابه مفتحة ، إذا أصابها القدر فأذهبها من يده ، وأزال تسلطه عليها ، أو ذهب به عنها ، فرحل منها صفر اليدين ، ولم يتزود منها سوى الكفن ، فتبّا